بسم الله الرحمن الرحيم

الوحي أنواع :

فمن الوحي ما كان يأتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الملك وهو سيدنا جبريل : وكان أحياناً يأتي على هيئته ، وأحياناً يأتي في صورة شخص مثلنا ، فكان يأتي في صورة أحد الصحابة سيدنا دحيه الكلبي - وكان جميل الصورة ، فكان يأتي في صورته ، فكانوا لا يعرفونه - ولذلك لما جاء وجلس ، وسأل الرسول : ما الإسلام ؟ وما الإيمان ؟ وما الإحسان ؟ وكلما يجيبه يقول له : صدقت ، تعجب سيِّدنا عمر من الأمر ، يسأله و يصدِّقه ، فقد روي سيِّدنا عمر فقال

{بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ذاتَ يوم جالساً، إذْ جاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، فَوَضَعَ رَكْبَتَهُ عَلَى رُكْبَةِ النَّبيِّ، فقال: يا محمدُ، ما الإِسْلامُ؟ قال: شَهَادَةُ أَنْ لا إلٰهَ إلا اللَّهُ، وَإقَامُ الصَّلاةِ، وَإيتاءُ الزكاةِ، وَصَوُمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ ، قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَعَجِبْنَا مِنْ سُؤالِهِ إياهُ، وَتَصْدِيقِهِ إياهُ

قالَ: فَأَخْبِرْنِي: ما الإِيمانُ؟ ، قال: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّه ، قال: صَدَقْتَ.، قال: فَعَجِبْنَا مِنْ سُؤالِهِ إياه، وَتَصْدِيقِهِ إياه

قال: فَأَخْبِرْنِي: ما الإِحْسَان؟ ، قال: أنْ تَعْبُدُ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك

قال: فَأخْبِرْنِي مَتَى السَّاعةُ؟ ، قال: ما المَسْؤُولُ بأعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ ، قال: فما أَمَارَتُهَا؟ ، قال: أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، وأنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاة يَتَطَاوَلُونَ في الْبُنْيَانِ - وهذا ما حدث الآن - قال: فتَوَلَّى وَذَهَبَ، فقال عُمَرُ: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ ، فقال: يا عُمر، أَتَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ؟ ، قُلْتُ: لا، قال: ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ}[1] فقد جاء هنا في صورة رجل مثلهم

وكان آنا يأتي على هيئته ، كما يقول الرسول أول ما جاء له ، قال : {رَأْيْتُ شَخْصَاً فِي الفَضَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرِضِ ، لَهُ سِتْمَائةُ جَنَاحٌ لَوْ ظَهَرَ جَنَاحٌ مِنْهَا لحَجَبَ ضَوْءَ الشَّمْسِ}[2]

أي أن الجناح الواحد يملأ الكون كله - ولذلك كما قلنا كيف تخلق الملائكة ؟ كل يوم يذهب سيدنا جبريل إلى نهر الحياة ، ويستحم ، وينفض أجنحته ، فكل قطرة تنزل من أجنحته ، يخلق الله منها ملك يسبح الله - فالوحي كان يأتي بطريقتين بالنسبة للملك إما أن يراه على حقيقته ، أو يراه في صورة شخص

وكان أحياناً كما يقول الرسول : {كَانَ يَأتِيني عَلَى هَيْئَةِ صَلْصَلَةِ اْلْجَرَسِ}[3]

فيسمعون له صوتاً كصلصلة الجرس ، لكن لا يعرفون شيئاً ، فلا يعرف إلا رسول الله ، لأنة يتكلم بلغة الملائكة ، ولا أحد من الجالسين يعرف لغة الملائكة إلا الرسول ، وكان صلى الله عليه وسلم يغيب عن وعيه ، وعندما يفيق يقول لهم : نزل علىّ الوحي بآيات كذا وكذا ، ويبلِّغهم

وأحياناً كان يأتي وله صوت دوىٌّ كدوىِّ النحل

وأحياناً كان يأتيه مناماً ، ورؤيا الأنبياء وحى كما قال الرسول : فالنبي إذا رأى رؤية مناميه كانت وحياً :كما قال سيدنا إبراهيم : {أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} الصافات102

وسيدنا إسماعيل لكونه نبي يعرف هذه الحقيقة فقال له : { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} فهو يعرف أنه أمر لأنه يعرف أن رؤيا النبي وحي دائماً ، فهذه طريقة من طرق الوحي وهو الوحي المنامي

وإما عن طريق الإلهام ، وفيها يلهمه الله ، ويلقي على قلبه ما يريد ، وهذه مثل الأحاديث القدسية التي قالها الرسول ، ومثل غيرها التي قالها عن طريق الإلهام مثلما يقول :{ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّ نَفْسَاً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِي رِزْقَهَا ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوا شَيْئاً مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإنَّهُ لا يُنَالَ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ}[4]

أما الطريقة الأعلى فهي المشافهة مع الحقِّ سبحانه وتعالى ، وهى التي كان يأخذ فيها من الله مباشرة دون واسطة ، وفيها قال له الله : {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} النمل6
فليس هنا وساطة جبريل

وكانت أيضاً بأن يرى الحق في المنام أو في اليقظة في أي مكان كان فيه ، وإما في الحضرة القدسية وكانت ليلة الإسراء والمعراج وفيها قال تعالى : {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} النجم10

أين جبريل عليه السلام ؟ وقف في الخارج عند سدرة المنتهى ، ولم يستطع الدخول ، فكل ما حدث كان بينه وبين الحق سبحانه وتعالى بلا واسطة

هذه طرق الوحي التي كان يتلقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي من الله سبحانه وتعالى ، وفي جميعها كان الوحي ثقيلاً ، فكان يغيب عن الوعي ، وينزل عليه العرق ، حتى في الليلة شديدة الرطوبة ، ويحتاج إلى من يروّح عليه من شدة الحرارة ، ويفيق من العرق مثقلاً ومتعباً ، ويحتاج إلى راحة لأن الوحي له ثقله


[1] رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[2] رواه أبو الشيخ في كتاب العظم .
[3] رواه البخاري ومسلم
[4] رواه أبو نعيم في الحلية عن أبى أمامه والعسكري في الأمثال عن ابن مسعود