بسم الله الرحمن الرحيم
هكذا ودع الحجيج موسم الحج يارب يارب تقبل منا انك انت السميع العليم فودعوا موسما عظيما من مواسم الاخرة وهو عشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الحج الاكبر يوم العيد وايام التشريق فقد شرع الله لنا في تلك الايام انواعا من العبادات يشترك فيها الحاج وغيره من صيام وتكبير وتلبية ومناسك حج وعمرة وذبح قرابين فتقربوا الى الله بانواع الطاعات طمعا في ثوابه وخوفا من عقابه فلما انتهى هذا الموسم قسمت فيه الجوائز فمنا من فاز بمغفرة الذنوب ومنا من فاز برفعة الدرجات ومنا من حاز على عظيم الاجر فلم يرضى الله له جزاء دون الجنة
فياترى هل نحن حظينا بتلك الجوائز ام لا
وياترى لوعرضت علينا قائمة الفائزين فلم نجد اسمائنا كيف يكون حسرتنا وكيف يكون حالنا
سئل الشيخ ابن باز عن علامة القبول فقال علامة ذلك ان يرجع الحاج بقلب منشرح ووجهه منور والسبب لان مغفرة الذنوب بعد اداء الحج يحس الحاج بنشاط وانشراح غريب لانه اطلق عن النفس رهانها واطلق عنانها واصابت رحمة ربها يقول الله ( وكفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم )
فاذا غفرت الذنوب وتحاتت عنه السيئات وجد العبد خفة في نفسه وراحة وطمانينة والف الخير واحبه وابغض الشر وكرهه
اما من رجع من حجه وقلبه ضيق ووجه مظلم وسأت اخلاقه مع الحجيج او سأت اخلاقه مع رفقته بالسباب واللعان والجدال فهذه علامة على عدم القبول وهذا غالبا ما يحصل للحجيج بعد الانتهاء من أعمال الحج ويصلون الى طواف الوداع فلا تسأل عن السباب واللعان والجدال والمخاصمات حتى يتدخل الناس في الفصل بينهم وهذا قد رايته مرات عديدة في الحج
فياترى ماذا استفدنا من حج هذا العام لاشك ان الفوائد والدروس كثيرة
1- اولا ان من اعظم اسباب قبول الحج التواضع فقد امر الحجيج ان يتجردوا من ملابس الدنيا ويكونون حاسرين عن رؤوسهم متواضعين لله والتواضع يكون في المراكب وفي المنزل وفي التعامل الطيب مع الناس فقد حج نبينا على رحل رث وقطيفة خلقة لاتساوي اربعة دراهم ) رواه الترمذي وابن ماجة وروى ابن خزيمة عن قدامة رضي الله عنه قال رايت رسول الله على ناقة صهباء لاضرب ولا طرد ولا اليك اليك ) فيكون قلب الحاج اسلم ما يكون من الكبر والغل والحسد والبغضاء والكراهية واحتقار المسلمين لان القلوب التقية النقية اقرب ما تكون من رحمة ربها اذا سلمت قلوبها وهل فرض الحج الا لهذه المعاني العظيمة
2- ومن اعظم اسباب قبول الحج ان يحرص الحاج على اداءه على الوجه المشروع فلا نقص فيه ولا زيادة ولا بدع ولا مخالفات فبعض الحجيج يتلاعب بحجه ولا يصبر على ادائه على الوجه المشروع فلا يتاكد من حدود المشاعر المكانية او الزمانية فلكل مشعر حدود سواء في الزمان او المكان فلعرفات حدود مكانية ولها حدود زمانية فبعضهم يتساهل في الوقت فيخرج قبل الغروب او يكون خارج عرفات وقس عليها بقية المشاعر ومنهم من يرمي الجمرات في غير الوقت المشروع ولا يستقر في منى ايام التشريق وينفر من منى قبل وقت النفر ومنهم من يؤكل عنه في بقية اعمال الحج ومن الحجاج من لايطوف الوداع ومنهم من وقع في مخالفات كثيرة قد تكون مبطلة لحجه ومنهم من هو وكيلا عن الغير وفرط في تتبع الرخص لانه غرضه جمع المالا لابراءة ذمته وهذا نتيجة عدم المبالاة باحكام الحج وعدم التقيد بقوله صلى الله عليه وسلم ( خذوا عني مناسككم ) ومثل هؤلاء لاهو حج فاستفاد ولا هو ترك الحج فاستراح ولكن لله يوم يحاسب المجتهد والمفرط
3- هذه الجموع والحشود الكثيرة التي جاءة من كل فج عميق فلم يقل الله ( ياتين من فجاج عميقه بل قال( يأتين من كل فج عميق ) جاؤا من كل مكان ومن جميع الاجناس من مشارق الارض ومغاربها فجمع الله الاحمر والابيض والاسود كلهم في صعيد واحد وفي حال واحد ولباس واحد وشعار واحد لبيك اللهم لبيك نعم قد تحصل هناك احتفالات واجتماعات تصل الى الملايين ولكن لايكونون من كل جنس ولا من كل بلد ولا يكون شعارهم واحد مثل التلبية بل تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى وهذا يعطينا ان هذه الامة امة حقيقة واننا امة ضخمة تتحد تحت شعار واحد ولباس واحد وتتوجه الى رب واحد مهما اختلفت اجناسها ولغاتها وبلدانها والغرض والهدف لكي يوحدوا الله وحده ثم تتوحد قلوبهم فتسلم من الامراض فالاسلام دين عظيم الف بين قلوبنا وارواحنا قبل اجسادنا والتقدم اصلا لايكون تقدما عمرانيا او تقنيا انما التقدم فيماذا تحمل من مبادي وقيم اخلاقية فالحياة الحقيقية هي حياة القلب وليست حياة البدن فمن مات قلبه بالكفر والمعاصي فهو ميت وان كان حيا ومن حي قلبه بالاسلام والعمل الصالح فحياته ممتدة وان مات فهذه الحياة ليست بحياة فهذا الكافر سياتي عليه حين ( يقول ياليتني قدمت لحياتي ) حياة يعقبها الموت ليست بحياة فاذا مات كأنه ما عاش نعم الغرب سبقنا في التقدم العمراني والتقني ولكنه جمع بين الالحاد والانحلال فسقطت البشرية الى اسفل سافلين وعاشوا على الظلم في ظله شابوا والعالم الثالث ابتزوه وسرقوه وسفكوا الدماء فيه وقتلوا الاطفال والمدنيين العزل وساموا الشعوب الفقيره سوء العذاب وصدق قول الله فيهم ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة غافلون ) سورة الروم
4- ان من اراد ان يقبل حجه فلا بد ان يحقق الاركان الاربعة للاسلام الركن الاول التوحيد وهي ركن العقيدة وهو الاساس الذي يلازم الانسان في كل لحظة من حياته واما الركن الثاني الصلوات الخمس تتكرركل يوم خمس مرات يقول احد الناس الى متى اصلي قالوا الى الموت لتحقق عبودية الله والركن الثالث الزكاة لتزكوا بها النفوس والركن الرابع الصيام ويتكرر كل عام فمن حافظ على هذه الاركان الاربعة وحققها فهو المسلم الذي يصح حجه وعمرته ومن ضيعها او ضيع بعضها فلا حج له ولا عمره له وبعض الناس يحج وعقيدته فاسدة وبعضهم يحج ولا يصلي اصلا وبعضهم حج وهو لايزكي ومثل هؤلاء الذين يهتمون بالحج ويضيعون بقية اركان الاسلام كمثل من يعالج عضوا في جسم مقطوع الراس فاتقوا الله واقيموا الدين كله
5- ومن الناس من حج ولم يتجنب المعاصي وسوء الاخلاق ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) هناك امتحانات في النزول والارتحال في المشاعر وتبتلى بمن معك من الرفقه فمنا من يوفق ومن من لايوفق ولاتسال عن السباب واللعان وسوء الاخلاق احياننا ينفد صبر الحاج مع كثرة النفقه وبذل المال والاخر ينفد صبره من كثرة المشي والزحام وشدة الحر ومنهم من يتعدى ذلك فيسرق امتعة الحجيج واموالهم ومنهم من يقع في الزنا ومنهم من لايسلم الناس من لسانه ويده فخسر حجة كله وافضل الاعمال سلامة الصدر وسخاوة النفس والنصح للامة
6- ومن الدروس في الحج هذه الجموع والحشود جاءت من كل مكان وهذا يذكرنا بيوم القيامة فللناس في الدنيا ثلاثة اجتماعات رتب عليها ثواب وعقاب ثم يكون الاجتماع الرابع بعد الموت ورتب عليه ثواب وعقاب فاما الاجتماع الاول فهو في الحي حينما ينادي المؤذن بحي على الصلاة حي على الفلاح فمن اجابه سلم من النار ومن النفاق ( من صلى لله اربعين يوما في جماعة لاتفوته تكبيرة الاحرام كتب الله براءتان من النار ومن النفاق ) ومن لم يجب داعي الله كان منافقا وهو من اهل النار وما الاجتماع الثاني فهو لاهل المدينة حينما تجتمع عدة مساجد صغيرة في الجامع الكبير كل جمعة ورتب عليه ثواب وعقاب فمن شهد الجمعة كان له بكل خطوة يخطوها اجر سنة يقام ليلها ويصام نهارها ومن ترك صلاة الجمعة ففي الحديث ( لينتهين اقوام عن ودعهم الجمعة والجماعات او ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ) اما الاجتماع الثالث يوم عرفة كل عام ورتب عليه ثواب وعقاب فاما من شهد الحج فلم يرضى الله لمن قصد بيته الحرام جزاء دون الجنة او يرجع من ذنوبه كيوم ولدته امه ومن ترك الحج وقد قدر ان يحج ( ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) اما الاجتماع الربع فذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود يوم ياتي لاتكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد )سورة هود وقال تعالى ( وتنذر يوم الجمع فريق في الجنة وفريق في السعير ) سورة الشورى( قل ان الاولين والاخرين لمجموعون الى ميقات يوم معلوم )
7- المعول في الحج على القبول والتقوى فمن اتق الله يسر الله امر ومن لم يتق الله عسر الله عليه امره ومتى علم الله من العبد حرصه على حجة واقامته على الوجه الصحيح اعانه ووفقه
8- ومن اعظم اسباب قبول الحج الابتعاد عن اذية الحجاج والاحسان اليهم فهنيئا لمن اطعم حاجا او سقاه او عالجة من مرض او دل ضالا منهم وقد تاه عن موقعه او قضى مصلحة من مصالح الحجاج لان هذه الاعمال من اجل القربات سئل رسول الله عن بر الحج فقال ( اطعام الطعام وافشاء السلام وطيب الكلام ) وهدي رسول الله هو نفع الحجاج في دينهم ودنياهم اما دينهم فقال ( خذوا عني مناسككم ) واما دنياهم فما ترك باب خير الا دلهم عليه بل وقال في سقاية الحجيج ( لولا ان يغلبكم الناس لنزعت معكم ) فاعظم مراتب الاحسان هو تعليم الدين وهو اعظم اجرا عند الله فمن قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده وملك جوارحه غفر له وقد يكتب الله له سعادة لايشقى بعدها ابدا
ياليتنا نعلم المقبول فنهنيه والمردود فنعزيه
نسال الله العظيم ان يجعل حجنا مبرورا وسعينا مشكورا وذنبنا مغفورا وعملنا صالحا مقبولا واجرنا موفرا