فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سارَ من منى إلى عرفة، فنزل بنَمِرَة إلى الزوال إن تَيسر له، وإلاّ فلا حرج عليه؛ لأنّ النزول بنمرة سنةٌ لا واجب. فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين، يجمع بينهما جمعَ تقديم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضى الله عنه قال: "وأمر -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- بقُبة من شعر تُضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضُربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحِلَت له، فأتى بطن الوادي فخطب النّاس، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئًا. ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غَرَبت الشمسُ". والقصر والجمع في عرفة لأهل مكة وغيرهم. وإنّما كان الجمع جمع تقديم ليتفرغ النّاس للدعاء، ويجتمعوا على إمامهم، ثم يتفرقوا على منازلهم، فالسنة للحاج أن يتفرغ في آخر يوم عرفة للدعاء والذكر والقراءة، ويحرص على الأذكار والأدعية الواردة عن النبي ؛
فإنّها من أجمع الأدعية وأنفعها، فيقول: - اللَّهُمّ لك الحمد كالذي نقول، وخيرًا مما نقول، اللَّهُمّ لك صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي، وإليك ربِّ مآبي، ولك رب تُراثي. - اللَّهُمّ إني أعوذُ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر. - اللَّهُمّ إني أعوذ بك من شر ما تَجيء به الريحُ. - اللَّهُمّ إنّك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلمُ سِرّي وعلانيتي، لا يخفى عليك شيءٌ من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المُقِرّ المعترف بذنوبي، أسألك مسألة المسكين، وابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوكَ دعاءَ من خَضَعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، وذلّ لك جسده، ورَغم لك أنفه. - اللَّهُمّ لا تجعلني بدعائك ربِّ شقيًّا، وكن بي رءوفًا رحيمًا، يا خير المسئولين، ويا خيرَ المعطين. - اللَّهُمّ اجعل في قلبي نورًا، وفي سَمعي نورًا، وفي بصري نورًا. - اللَّهُمّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللَّهُمّ إني أعوذ بك من شرِّ ما يلج في الليل، وشَرِّ ما يلجُ في النهار، وشرِّ ما تهبُّ به الرياحُ، وشرِّ بوائق الدهر. - اللَّهُمّ ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذابَ النار. - اللَّهُمّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنك أنت الغفور الرحيم. - اللَّهُمّ إني أعوذ بك من جهد البلاء، ومن دَرك الشقاء، ومن سوء القضاء، ومن شماتةِ الأعداء.
- اللَّهُمّ إني أعوذ بك من الهمّ والحَزن، والعجز والكسل، والجُبن والبُخل، وضِلَعِ الدينِ، وغَلبة الرجال، وأعوذُ بك من أن أُرَدَّ إلى أرذلِ العُمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا. - اللَّهُمّ إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، ومن شرِّ فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر. - اللَّهُمّ اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبَرَد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب.