لازلنا ندور في فلك الثراء الرقمي وخططه، ذلك الجهد والعمل الذي تبذله في البداية ثم يعود عليك بدخل مستمر في النهاية، لا نتحدث هنا عن آفاق العمل الحر الذي يمكن للشخص أن يؤديه من أي مكان عبر الانترنت، ثم يتقاضا أجره مباشرة فور انتهاء المهمة، ليس هذا حديثنا، بل نتحدث عن العمل الذي ستبذل فيه الكثير من الجهد وتمضي فيه شهور عديدة دون أن تحصل على أي مردود مباشر.
فكر في الأمر كأنه زراعة شجرة أو نخلة، تلك الأشجار المعمرة التي تؤتي الثمار سنة بعد سنة دون تدخل منك، فالعمل الحر كزراعة الذرة، تتعب قليلاً ثم تجني الثمار بعد أشهر وينتهي الأمر، أما رعاية تلك النخلة ستأخذ من وقتك وجهدك سنين عديدة، بدون أن تحصل منها على بلحة واحدة، قد تحتاج منك النخلة إلى عشر سنوات منذ وقت غرس البذرة حتى أول قطفة، لكن حين تبدأ بالإثمار، ستبقى هناك عقود طويلة، تؤتي أكلها كل حين بدون جهد منك إلا ما نَدُر.
ابدأ بصناعة المحتوى
تحدثنا في الجزء الثانية من هذه السلسلة عن “التدوين المربح” ووضحنا أن الامر يتطلب منك أن تنشئ مدونة وتكتب فيها المقالات الدسمة المفيدة بشكل دوري، ومع الأيام سوف تبدأ المدونة بجلب الزوار القادمين من محركات البحث في الغالب، تلك كانت الخطوة الأولى التي على أساسها سوف تبني جميع الخطوات، القائمة البريدية والمحتوى الحصري ثم إطلاق المنتج الرقمي وفي الأخير الاسترخاء ومراقبة رصيد أرباحك الشهري.لكنك لن تصل إلى تلك الخطوة الأخيرة إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر (الأمر يتعلق بعدة عوامل مثل تخصص المدونة وتفرغك لإنتاج المحتوى وأمور أخرى) وخلال تلك الفترة الأولية سيكون همك الأول هو بناء محتوىً ذو جودة عالية، محتوىً مفيد حقاً يجذب القراء ويجذب معهم محركات البحث، لكن ليس شرطاً أن يكون محتوىً نصياً فقط، يمكن أن يكون مرئياً أو صوتياً، كما أنه ليس بالضرورة أن تبقى محصوراً داخل المدونة فقط، هنالك فرص أخرى للتوسع، وأكبر فرصة هي: اليوتيوب.
شبكة اليوتيوب تعتبر فرصة كبيرة لتحقيق الانتشار وحتى كسب بعض المال (من خلال برنامج الشراكة)، أنا لا أرى أن كسب بعض الدولارات عبر برنامج الشركات هو الفائدة الكبرى، بل الفائدة الأكبر هي في أن تترك أثر طيب وبصمة نافعة تبقى حتى بعد رحيلك عن الدنيا، والفائدة الثانية هي (صناعة الجمهور) عبر إنتاج ونشر المحتوى المفيد والثري، المحتوى المتخصص في نفس تخصص مدونتك.
المحتوى هو الملك كما قيل سابقاً، لقد أتاحت لنا الشبكات الاجتماعية فرص كثيرة لصناعة أشكال متعددة من المحتوى، عبر يوتيوب – تليجرام – انستقرام – فيسبوك ، تقريباً هذه هي أهم الشبكات التي يمكنك من خلالها نشر محتوىً مفيد وثري، لكن دعني هنا أركز على شبكتين فقط منهم، هما اليوتيوب وانستقرام، فهما من لديه قابيلة الإنتشار الذاتي وكسب المشتركين، ما عليك إلا أن تنشر محتوىً مميزاً ذو فائدة عظيمة وأن تستمر في ذلك بشكل دوري.
المحتوى يصنع الجمهور
عندما تستمر في نشر فيديوهات مميزة من جهتي القلب والقالب (المادة هي القلب، والإخراج الفني هو القالب) في اليوتيوب، سوف تأتيك المشاهدات بشكل متدرج مع الأيام والأشهر (ستبذل بعض المجهود في البداية لنشر قناتك وتعريف الناس بها) جزء من أولئك المشاهدين سيتحولون إلى مشتركين في قناتك، عداد المشتركين سوف ينمو شهراً بعد شهر، وبعد سنة سيكون لديك عدد جيد من المشتركين، أولئك هم جزء من الجمهور.مع الاستمرار في نشر الفيديوهات والصور المميزة عبر الانستقرام، ومع بذل بعض الجهد في البداية لنشر اسم حسابك وتعريف الناس به، سيزيد عداد المتابعين مع الأيام، تطبيق الانستقرام يوفر للمستخدمين خاصية الاقتراحات، عندما يشترك المستخدم في أحد الحسابات، يعطيه النظام عدة اقتراحات لحسابات مشابهة، وبالتالي هو يساهم في نشر الحسابات الأخرى وزيادة عداد مشتركيها، وبعد سنة سوف يكون هنالك عدد جيد من المشتركين لديك، أولئك هم جزء من الجمهور.
بعد أشهر من النشر الجيد في المدونة، سوف يلتفت إليك العم قوقل، وكلما كانت جودة مقالاتك أفضل، كانت التفاتته أقوى، وكلما قويت التفاتة قوقل لمدونتك كلما زاد عدد القراء القادمين عبر مراكب قوقل إلى صفحات موقعك، أولئك الزوار يمكن أن تحول بعضهم إلى جمهور، عبر عرض محتوىً حصري يرسل فقط عبر الإيميل، ومع الأيام ستكبر تلك القائمة ويشترك فيها الكثير من الأشخاص، وبعد سنة سيكون لديك عدد جيد من المشتركين، أولئك هم جزء من الجمهور.
كن صادقاً في إفادتك للآخرين في مجال خبرتك عبر المحتوى الذي تقوم بنشره، لا تجعل المكسب المادي هو الهدف الأول، لا تخسر الجائزة الكبرة والهدف الأسمى الذي ينفعك في حياتك وبعد مماتك، اجعل حب الخير للآخرين هو الهدف الأول الذي تسعى إليه، وكلما أخلصت لله تعالى كلما وفقك الله لمزيد من الانتشار والنجاح، إنها معادلة صعبة لا يفهمها إلا العارفين.
الجمهور يشتري المنتج
بعد فترة زمنية قد تكون سنة أو أكثر أو أقل، سيكون لديك خبرة واسعة بالمشاكل والحلول المتعلقة بالتخصص الذي تكتب وتنشر فيه، الفائدة الكبرى ستكون من تفاعل الجمهور معك ومن أسئلتهم التي ستدفعك دائماً للبحث عن الحلول وإفادتهم، قد تتساءل: إن أعطيتهم كل ما أعرفه بالمجان، فما الذي سيبقى لدي كي أعطيه لهم بمقابل مادي؟ لكن الحقيقة أن المعرفة لا تنتهي، لا يوجد حد لما يمكن أن تخبر الناس به.المنتج الرقمي يمكن يأتي بعدة أشكال، مثل الكورس التدريبي، أو الكتاب الرقمي، أو حتى الخدمات الاستشارية، فأنت بعد فترة من التعمق أكثر في تخصصك، وبعد أن تكتب الكثير وتنشر الكثير في نفس المجال، سيكون لديك خبرة كبيرة، وسيكون لديك جمهور عريض أيضاً، ذلك الجمهور الذي استفاد منك كثيراً، وأصبح يثق فيك وفي خبرتك في ذلك المجال، ولن يكون الأمر مرهقاً لإقناعهم بأنك شخص يمكن استشارته في ذلك المجال أو التخصص.
إذا هذه هي المعادلة ببساطة:
محتوىً مجاني –> جمهور مهتم –> منتج رقمي –> دخل مالي
إذاً، الأمر كله يدور حول إنتاج المحتوى ذو الجودة العالية، سواءٌ كان محتوىً نصياً أو مرئياً، عبر المدونة أو الشبكات الاجتماعية، لكن طبعاً الوصفة لا تكمتل إلا بإضافة (الاستمرارية) إلى الطبخة، الأمر يتطلب وقت حتى يؤتي ثماره، هنالك أشخاص أمضو ربما 3 أو 4 سنوات وهم ينتجون المحتوى المفيد والجيد ثم بدأوا في إطلاق خدماتهم أو منتجاتهم الرقمية، إن كنت مستعجل على الكسب المادي، فهذا النموذج ليس لك للأسف.شكراً على المتابعة، وألقاكم في جزء قادم من هذه السلسلة ان شاء الله، للإطلاع على الأجزاء السابقة: