يحدث في كثير من البلدان أن يتولى الآباء والأمهات اختيار الزوج نيابة عن أولادهم- ذكورا وإناثا-وقد لا يأخذون رأيهم في هذا الزواج، وإذا عارضوا هذا الزواج لاختلاف الطباع بينهم وبين من يراد لهم الزواج بهم، أو لغير ذلك من الأسباب يصر الوالدان على موقفهما،ويمنعان الأولاد من إعلان رأيهم
وقد يتذرعان بوجوب طاعة االوالدين، وبأن مخالفتهما معصية، فما رأي الإسلام في هذه الظاهرة.
اسم المفتي: مجموعة من المفتين
نص الإجابة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
للوالدين على أولادهم حق الطاعة، والوالدان أولياء وأوصياء على أولادهما، ينفقان عليهم، ويرعونهم، وينصحونهم، ويمدونهم بكل ما يحتاجون. وقد يسئ الوالدان استخدام هذه الولاية فيجردان أولادهما من حق الاختيار، وهذا نوع من الاستعباد والامتنان لا يقره الإسلام.
وليعلم الوالدان أن رعايتهما لأولادهما أمر واجب وليس منة ولا تفضلا حتى يكبلا به كاهل أولادهما.
ودور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في النصح والتوجيه والإرشاد، ولكن ليس لهما أن يجبرا أولادهما- ذكورا وإناثا – على زواج لا يرضونه، بل الاختيار الأخير في هذا للأبناء. ما لم يتجاوز الأولاد فيختاروا لأنفسهم اختيارا فاسدا لا كفاءة فيه من ناحية الدين، فإن حدث هذا فللوالدين حق الاعتراض، وعلى الأبناء السمع والطاعة؛ لأن طاعة الوالدين حينئذ تقرير لطاعة الله الذي قال: ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) أما غير الصالحين والصالحات فيجب ردهم ولا كرامة.
جاء في فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث:
يعتبر عقد الزواج من أهم العقود؛ لما يترتب عليه من قيام أسرة جديدة في المجتمع، وإنجاب أولاد وحقوق وواجبات تتعلق بكل من الزوجين.
ولما كان كل واحد من الزوجين طرفاً في العقد؛ ناط الشارع إبرامه بهما، وجعله متوقفاً على إرادتهما ورضاهما، فلم يجعل للأب ولا لغيره على المرأة ولاية إجبار ولا إكراه في تزويجها ممن لا تريد، بل جعل لها الحق التام في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية (فتاة صغيرة السن) أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زَوَّجها وهي كارهة، فخَّيرها النبي صلى الله عليه وسلم. حديث صحيح. أخرجه أحمد والنَّسائي وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبَّاس. وصحَّحه ابنُ القطَّان وابن حزم، وقوَّاه الخطيب البغدادي وابن القيم وابن حجر.
وجاءت النصوص النبوية الأخرى تؤكد للمرأة ذلك الحق فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيم حتى تستأمر" متفق عليه، وقال: "والبكر يستأذنها أبوها" رواه مسلم.
وبهذا جعل الإسلام عقد الزواج قائماً على المودة والرحمة، والألفة والمحبة، قال الله تعالى: [الروم: 21]، ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة) ومن المحال - عادة - تحقيق تلك المقاصد على الإكراه والإجبار.
لكن لما كانت المرأة - رغم إرادتها المستقلة التي جعلها الإسلام لها - عرضة لأطماع الطامعين، واستغلال المستغلين فقد شرع من الأحكام ما يحفظ حقوقها، ويدفع استغلال المستغلين عنها، فجعل لموافقة وليها على عقد زواجها اعتباراً هاماً يتناسب مع أهمية هذا العقد، لما يعكسه من أثر طيب يخيم على الأسرة الجديدة، ويبقي على وشائج القربى بين الفتاة وأوليائها، بخلاف ما لو تم بدون رضاهم، فانه يترتب عليه الشقاق والخلاف، فينجم عنه عكس المقصود منه.
وإن المجلس يوصي النساء بعدم تجاوز أولياء أمورهن، لحرصهم على مصلحتهن، ورغبتهم في الأزواج الصالحين لهن وحمايتهن من تلاعب بعض الخطاب بهن.
كما يوصي الآباء بتيسير زواج بناتهن، والتشاور معهن فيمن يرغب في الزواج منهن دون تعسف في استعمال الحق وليتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " أخرجه يحيى بن معين في "تاريخه" والبخاري في "الكنى" والترمذي وآخرون من حديث أبي حاتمٍ المزني. وحسَّنه التِّرمذي. وعامة الرواة يذكره بلفظ (وفساد عريض) بدل (كبير) ، وليعلموا أن عضلهن من الظلم المنهي عنه، والظلم محرم في الإسلام.انتهى
ويقول الشيخ نزار بن صالح الشعيبي-القاضي بمحكمة الشقيق- :-
الزواج يعتبر من خصوصيات المرء، فليس للأم ولا للأب إجبار ابنه أو ابنته على من لا يريدانه، خصوصاً إذا كان الدافع لهذا الإجبار الطمع في الدنيا ومتاعها الزائل، وهذا الفعل أي إجبار أحد الأبوين الأبناء على الزواج بمن لا يريدانه محرم شرعاً، لأنه ظلم وتعدٍ على حقوق الآخرين، وجمهور أهل العلم على أنه يحرم على الأب إجبار ابنته على الزواج بمن لا ترضاه إذا كانت بالغة عاقلة، فإذا كان هذا في حق الأب فالأم من باب أولى.
وإنما يستحب طاعة الوالدين في اختيار الزوج زوجته أو العكس، ما لم يكن هناك محذور شرعي، ومحاولة الأم هنا تزويج ابنتها بغير خطيبها فيه محذور شرعي وهو نهيه – صلى الله عليه وسلم – أن يخطب الرجل على خطبة أخيه" رواه البخاري ومسلم
من حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- فلا يجب على البنت طاعتها في ذلك، بل ولا يستحب لكون كلا الطرفين قد ركن إلى الآخر، ولا يوجد بالخطيب عيب وليس عليها إثم في هذا التصرف..
ولكن ينبغي أن يلاحظ أن المرأة لا يجوز لها تزويج نفسها، بل لابد من أن يتولى عقد المرأة وليها وهو والدها، وإن لم يوجد فأقرب رجل من معصبيها؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد وأبو داود (وغيرهما من حديث أبي موسى –رضي الله عنه-.انتهى.
ويقول الشيخ عطية صقر- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :-
مخالفة الوالدين في اختيار الزوج أو الزوجة حرام إذا كان لهما رأي ديني في الزوج أو الزوجة يحذران منه. أما إذا كان رأي الوالدين ليس دينيًا، بل لمصلحة شخصية أو غرض آخر –والزواج فيه تكافؤ وصلاح – فلا حرمة في مخالفة الوالدين.
ومطلوب أن يكون هناك تفاهم بالحسنى بين الطرفين، رجاء تحقق الاستقرار في الأسرة الجديدة، وحتى يتحقق الغرض الاجتماعي من الزواج الذي ليس هو علاقة خاصة فقط بين الزوج والزوجة، وإنما هو علاقة أيضًا بين أسرتين، وفيه دعم للروابط الاجتماعية.انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد الله بن حميد- عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية:- رحمه الله- عن زواج الرجل من امرأة يحبها بدون موافقة الأهل فقال :-
لا بأس ، إذا كانت المرأة مستقيمة في دينها وعرضها . وكذلك مكافئة لك في النسب . فلا مانع من تزوجها . وإن لم يرض والداك إذا كان امتناعهما بغير حق ، وكانوا يكرهونها بغير حق ، وأنت راغب فيها ، وهي عفيفة في دينها وعرضها وسمعتها ونسبها فلا بأس بذلك ، ولا يعتبر ذلك عقوقاً فيما لو خالفت والديك في تزوجها ، ما دام أنهم لم يكرهوها بحق ، وإنما كُرههم لها مجرّد هوى ، وأمور نفسية . أما إذا كانوا يكرهونها لحق فلا ينبغي أن تتقدم إلى الزواج منها .انتهى.
وجاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:-
ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى ؛ فإن أكل المكروه غايته مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك ولا يمكن فراقه .انتهى مع التصرف.
والله أعلم .
المصدر: إسلام أون لاين
إجبار الوالد ابنته على الزواج
عنوان الفتوى: إجبار الوالد ابنته على الزواج
نص السؤال:
هل يجوز للوالد أن يجبر ابنته أو ابنه على الزواج ، وماذا لو حضر الولد أو البنت العقد ، فهل هذا كاف في الرضا من أحد منهما؟
اسم المفتي: مجمع الفقه بالهند
نص الإجابة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز للوالد أن يجبر ابنته أو ولده على النكاح، وإن أجبر الوالد البنت على إظهار الرضا وكان دافعه التهديد ،وشكت البنت للقاضي، فمن حق القاضي فسخ النكاح.إن ثبت له الإجبار.
وإليك قرارات مجمع الفقه بالهند في هذا الشأن :
1- إن الشريعة الإسلامية منحت البالغين من البنين والبنات حق التصرف في شئونهم الشخصية وحق الاختيار في النكاح، وهذه الحرية الشخصية هي من ميزات الشريعة الإسلامية، وكثير من الأقوام في الشرق والغرب إنما أعطوا المرأة حقها بتأثير من التعاليم الإسلامية.
2- لا يجوز قطعا للأولياء إجبار المرأة البالغة أو الابن البالغ على النكاح بدون مراعاة رغبتهما ورضاهما، فإصرار الأولياء على آرائهم واتخاذهم أساليب التهديد والتوعيد للإجبار على نكاح ما إنما هي محاولة فاسدة لحرمانهما من الحقوق التي أعطتهما الشريعة الإسلامية.
3- إن انعقاد النكاح يتوقف على إظهار الرضا وقت النكاح، فإذا أظهر الابن البالغ أو البنت البالغة رضاهما عند النكاح فينعقد النكاح.
4- إذا ثبت لدى القاضي الشرعي والمسئولين في دار القضاء أن الأولياء اتخذوا أسلوب الجبر والإكراه في نكاح المرأة البالغة، وأجبروها عند النكاح على التلفظ بالرضا، والمرأة غير راضية باستمرارية هذا الزواج، وتطالب بالفسخ، وزوجها لا يفرقها منه بنفسه ولا يرضى بالطلاق أو الخلع، فيحق للقاضي الشرعي فسخ هذا النكاح دفعا للظلم.
والله أعلم.
المصدر: إسلام أون لاين
الامتناع عن الزواج مخافة التقصير في تبعاته
عنوان الفتوى: الامتناع عن الزواج مخافة التقصير في تبعاته
نص السؤال:
هل يجوز للمرأة أن ترفض الزواج بحجه أنها لا تريد أن تعصي الله ؛ فهي لا تستطيع القيام بحقوق الزوج ؟ وهل يجوز لأهلها أن يرغموها على الزواج ساعتئذ أم أن لهم إجبارها؟
اسم المفتي: مجموعة من الباحثين
نص الإجابة:
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
يقول حامد العطار الباحث الشرعي بالموقع:-
الزواج يصبح واجبا- عند جمهور الفقهاء- في حالة واحدة وهي إذا خاف الرجل أو المرأة من الزنا إذا لم يتزوجا، فيجب على كل من ملك القدرة المالية والمعنوية على النكاح أن يتزوج إذا كان محتاجا إلى الزواج، وخاف من تصريف شهوته في الحرام، فإذا كان غير راغب في الجنس، وكان قادرا على ضبط نفسه – رجلا كان أو امرأة- فلا يجب في حقه الزواج عند جمهور الفقهاء ما لم يصبح هذا اتجاها عاما .
وقد أوجب الظاهرية مخالفين الجمهور الزواج لكل قادر عليه احتاج إليه أو لم يحتج.
ويكاد يكون الحق مع الجمهور، فقد رأينا عددا غير قليل من أئمة العلم وسادات الدنيا أعرضوا عن الزواج، وعاشوا عزابا، وقد ألف العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة كتابا في هؤلاء أسماه( العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج).
ولكن يجب أن نعرف لماذا أضرب هؤلاء الأئمة عن الزواج؟
لقد أضربوا عن الزواج؛ لأنهم رأوه كلفة مادية ومعنوية لا يتحقق من ورائها ما يتحقق بتركها، فقد رأوا أن الزواج يصرف عن العلم، ويأخذ جزءا من الوقت غير قليل، وقد يدعو إلى المجبنة والمبخلة فرأوه صارفا كبيرا عن العلم الذي نذروا له حياتهم.
لكن صاحبتنا هذه: لماذا تضرب عن الزواج؟ وأي باب هذا رأته يوصلها إلى الخير يغلقه عليها الزواج.
إن الزواج- إذا حسنت فيه النوايا- يكون بابا إلى الجنة، وذلك:-
1- لأن فيه الإعانة على إعفاف الغير، فالمرأة التي تتزوج تكون قد ساهمت في إعفاف زوجها، ومنعه من الحرام، وفي هذا من الأجر ما فيه.
2- فيه إعفاف النفس عن الحرام، وإشباعها بالحلال، والزواج ليس جنسا فحسب، ولكنه سكن ودفء ومودة، وحنان وعطف ورحمة وأنس.
3- فيه معاونة الطرف الآخر على عباداته وطاعاته، فالزوجة تعد لزوجها الملابس التي يصلي بها، وتطهرها له، وتفرش له السجادة التي يصلي عليها، وتعد له الماء الذي يتطهر به فتشاركه في الأجر والمثوبة.
4- فيه إسقاط لفريضة غائبة، وهي الدعوة إلى الله تعالى. فالدعوة إلى الله، وإصلاح الناس، وأمرهم بالمعروف، وإصلاح حالهم فريضة على الرجال والنساء معا، فإذا تزوجت المرأة، وكونت أسرة فقد أوجدت، وهيئت الجو الذي تمارس فيه هذه الفريضة، وتسقطها عن نفسه، حيث يصبح أولادها أرضا خصبة للإصلاح والتوجيه، والدعوة إلى الله تعالى.
5- فيه تكثير لسواد المسلمين، فالأسر المسلمة عجلات دافعة نحو جيل منشود، فلتحرص المرأة أن تكون لها أسرة في هذا الجيل المنشود ليكون غصة في حلق من يريد لديننا أن يذهب، ولأمتنا أن تذوب.
ولكن إذا خافت المرأة من عدم الوفاء بتبعات الزواج فقد يسعها أن تمتنع عنه بشرط أن تأمن على نفسها من الفتنة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيعي أباك فقالت والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته قال حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها أو انتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه قالت والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تنكحوهن إلا بإذنهن رواه البزار بإسناد جيد، وصححه الشيخ الألباني .
والله أعلم.
المصدر: إسلام أون لاين
الزواج والحب
عنوان الفتوى: الزواج والحب..دعوة للتعقل
نص السؤال:
أنا فتاة في الخامسة عشرة من عمري، يريد أهلي تزويجي من ابن عمي، وأنا لا أحبه، ولكني أحب شابًا غيره، فماذا أفعل ؟ أرشدوني
اسم المفتي: الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
نص الإجابة:
بسم الله ؛والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:ـ
فمسألة الحب والعواطف . يبدو أنها كثرت في هذه الأيام،نتيجة للتمثيليات والروايات والقصص والأفلام وغيرها .. فأصبح البنات متعلقات بمثل هذه الأمور، وأنا أخشى أن كثيرًا منهن يُخدع بهذه العواطف، ويُضحك عليها، وخاصة إذا كانت بمثل هذه السن، سن المراهقة والبلوغ، والقلب خال، والكلام المعسول إذا صادف قلبًا خاليًا تمكن فيه.
وهناك بعض الشبان يفعلون هذا مخادعين - مع الأسف - أو يتلذذون بهذا الأمر . ويتباهون في مجالسهم، بأن أحدهم استطاع أن يكلم اليوم الفتاة الفلانية، وغدًا يكلم أخرى وبعد غد سيكلم ثالثة . . . وهكذا.
فنصيحتي إلى الفتيات المسلمات ألا ينخدعن بهذا الكلام، وأن يستمعن إلى نصائح الآباء وأولياء الأمور والأمهات، وألا يدخلن على حياة زوجية بمجرد العاطفة، ولكن لا بد من وزن الأمور كلها بميزان العقل أولا، هذا من ناحية.
وأيضًا أقول لأولياء الأمور إن عليهم أن ينظروا في رغبات بناتهم، فلا ينبغي للأب أن يضرب برغبة ابنته عرض الحائط، ويجعلها كمًا مهملاً، ثم يزوجها بمن يريد هو لا بمن تريد هي فتدخل حياة زوجية وهي كارهة لها، مُرغمة عليها ؛ ذلك لأن الأب ليس هو الذي سيعاشر الزوج، وإنما هي التي ستعاشره، فلا بد أن تكون راضية . وهذا لا يقتضي ضرورة العلاقة العاطفية بين الشاب والفتاة قبل الزواج، إنما على الأقل، أن تكون مستريحة إليه راضية به.
ومن هنا، يأمر الإسلام بأن ينظر الخاطب إلى مخطوبته، ويراها وتراه، " فإن ذلك أحرى أن يؤدم بينكما " كما جاء في الحديث.
الشرع الإسلامي يريد أن تقوم الحياة الزوجية على التراضي من الأطراف المعنية في الموضوع كله . الفتاة تكون راضية، وعلى الأقل تكون لها الحرية في إبداء رغبتها ورأيها بصراحة، أو إذا استحيت تبديه بما يدل على رضاها، بأن تصمت مثلاً " البكر تستأذن وإذنها صماتها، والأيم أحق بنفسها " . أي التي تزوجت مرة قبل ذلك، لا بد أن تقول بصراحة: أنا راضية وموافقة .
أما البكر فإذا استؤذنت، فقد تستحي، فتصمت، أو تبتسم، وهذا يكفي . ولكن إذا قالت: لا . أو بكت، فلا ينبغي أن تُكره . والنبي صلى الله عليه وسلم رد زواج امرأة زُوِّجت بغير رضاها .
وجاء في بعض الأحاديث أن فتاة أراد أبوها أن يزوجها وهي كارهة . فاشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرادها أن تُرضي أباها مرة ومرتين وثلاثًا، فلما رأى إصرارها قال: افعلي ما شئت فقالت: أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن يعلم الآباء أنه ليس لهم من الأمر شيء.
فالذي أُنبِّه إليه في هذا الصدد بأنه لا بد للفتاة أن ترضى، ولولي أمرها أن يرضى، وهذا ما اشترطه كثير من الفقهاء، فقالوا بوجوب موافقة ولي الأمر حتى يتم النكاح . وجاء في الحديث " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " و" وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل ".
وكذلك ينبغي رضا الأم . كما في الحديث " 'آمروا النساء في بناتهن " لأن الأم تعرف رغبة بنتها، وبهذا تدخل الفتاة حياتها الزوجية وهي راضية، وأبوها راض، وأمها راضية، وأهل زوجها راضون . فلا تكون بعد ذلك حياة منغصة ومكدرة.
فالأولى أن يتم الأمر على هذه الصورة، التي يريدها الشرع الإسلامي الحنيف.
والله أعلم.
المصدر: إسلام أون لاين
الحب قبل الزواج وموقف الأهل
عنوان الفتوى: الحب قبل الزواج وموقف الأهل (رفض الخاطب لأنه أقل مركزًا)
نص السؤال:
قدر لي أو قدر على أن أتعلق بشاب مسلم مثقف، ذي خلق ودين وفيه في نظري كل ما تطلبه الفتاة في فارس أحلامها، وقد تعلق هو بي أيضًا، وأصبح كلانا لا يتصور أن يعيش بدون الآخر، فقد دخل قلبي ودخلت قلبه، وملك حبه على نفسي، وبنيت أملي ورجائي كله على أن يكون شريك حياتي وقسيم عمري.
ولا تظن يأفضيلة الأستاذ أن هذا كان نزوة من نزوات المراهقة، أو مغامرة من مغامرات الشباب، فما كان لنزوة أو مغامرة أن تستمر ست سنوات كاملة في طهارة واستقامة وبعد عن كل ريبة، دون أن تنطفئ شعلة الحب بيننا، أو تضعف علاقتنا، بل ما ازدادت على مر الأيام إلا قوة.
والمهم أنه بعد طول الانتظار والصبر هذه السنين حتى تخرج، واحتل مكانه في الدولة والمجتمع، وجاءت اللحظة التي ظللت انتظرها أنا وهو على أحر من الجمر، أقول: إنه بعد طول الانتظار تقدم إلى أهلي يخطبني على سنة الله ورسوله.
وهنا كانت المفاجأة، بل الصدمة العنيفة له ولي، فقد رفضه أهلي لا لسبب إلا لأن عائلته أقل مركزًا من عائلتنا، مع أن له أخًا شقيقًا خطب من عائلة أكبر من عائلتنا، ولم يجدوا في ذلك غضاضة، ولم يبدوا أي اعتراض.
وأنا لا أدري ماذا أصنع، فأنا لا أتصور الحياة بدونه، ولا أتخيل لي مستقبلا مع أحد غيره، وأنا مستعدة لأي شيء من أجله، حتى لو كانت روحي لا أبخل عليه بها، ولو أجبرت على الزواج من غيره فسيكون هذا حكمًا على بالموت، إن لم يكن ماديًا فمعنويًا.
فهل يقبل ديننا الحنيف هذا التصرف؟.
وهل هناك حل لمشكلتنا في ضوء الشرع الشريف؟.
اسم المفتي: الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
نص الإجابة:
بسم الله ؛ والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:ت
فيقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:ـ
أود أن أؤكد ما ذكرته مرارًا: أني لا أحبذ ما يقوله بعض الناس في عصرنا من ضرورة " الحب قبل الزواج " لأن هذا الطريق محفوف بالخطر محاط بالشبهات.
فكثيرًا ما يبدأ بداية غير سليمة ولا مستقيمة، كالحب الذي يأتي عن طريق المحادثات الهاتفية التليفونية العشوائية، التي يتسلى بها بعض الشباب في فترات فراغهم أو مللهم أو عبثهم، فتستجيب لهم بعض الفتيات، وهذا يحدث عادة من وراء الأهل، وبدون اختيار ولا تفكير لا من الفتى ولا من الفتاة، فهو يبدأ كما قالوا في التدخين " دلعًا" وينتهي " ولعًا"، يبدأ هزلاً وينتهي جدًّا.
وكثيرًا ما يؤدي إلى عواقب غير محمودة، لأنه يتم بعيدًا عن دائرة الضوء، مع طيش الشباب، وتحكم العواطف، وغلبة الهوى، وسيطرة الغرائز، ووسوسة الشياطين من الإنس والجن، وفي مثل هذا المناخ لا يبعد من الفتى والفتاة أن يقعا في الخطأ، وهما ليسا من الملائكة المطهرين، ولا الأنبياء المعصومين.
وفضلاً عن هذا وذاك قد يكون الحب بين طرفين غير متكافئين اجتماعيًا أو ثقافيًا، فتحول دونهما الحوائل، وتقف العقبات والعوائق دون ارتباطهما بالزواج، وفي هذا ما فيه من حرج الصدر، وشتات الأمر.
2ـ وأرى أن أفضل الطرق للزواج، هو ما تعارفت عليه مجتمعاتنا العربية والإسلامية قبل الغزوة الثقافية الغربية لأمتنا، وهو الاختيار الهادئ العاقل من كلا الطرفين لشريكة الحياة أو شريكها، بعد الدراسة المتزنة لشخصية كل من الشاب والشابة، وملاءمة كل منهما للآخر، وإمكانات النجاح لهذا الزواج من النواحي المزاجية والنفسية والعقلية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم وجود موانع وعقبات في طريق الزواج من جهة أحد الطرفين. أو أسرته، أو أعراف المجتمع أو قوانينه المرعية... إلخ.
هنا يأتي الخاطب البيت من بابه، ويتقدم إلى أهل الفتاة، ويتاح له رؤيتها، كما تتاح لها رؤيته، وحبذا أن يتم ذلك من غير أن تعلم الفتاة بذلك، رعاية لمشاعرها، إذا رآها الخاطب فلم تعجبه ولم تدخل قلبه.
3ـ ومع هذا كله أرى أنه إذا " دخلت الفأس في الرأس " كما يقال، أي " وقع الحب " بالفعل، وتعلق كل من الشاب والشابة أحدهما بالآخر، وكان من نوع الحب الطاهر الشريف، الذي تحدثت عنه ابنتنا السائلة، واستمر مدة طويلة دلت على أنه لم يكن نزوة طارئة، أو " لعب عيال " هنا ينبغي للأهل أن ينظروا في الأمر بعين البصيرة والحكمة، ولا يستبدوا بالرأي، ويرفضوا الخاطب بأدنى سبب، أو بلا سبب.
وينبغي الإصغاء جيدًا لما أرشد إليه الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " لم يُرَ للمتحابين مثلُ النكاح ". (الحديث رواه ابن ماجة (1847)، والحاكم 2/160 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن 7/78 والطبراني وابن أبي شيبة وغيرهم، من أكثر من طريق. وذكره الألباني في الصحيحة برقم (624) وقد روي في سبب وروده: أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن عندنا يتيمة وقد خطبها رجل معدم، ورجل موسر، وهي تهوى المعدم، ونحن نهوى الموسر، فقال:" لم ير للمتحابين مثل النكاح " ولكن القصة في سندها راوٍ مجهول. فالمدار على المرفوع).
يعني أن النكاح أي الزواج هو أنجح الوسائل لعلاج هذا التعلق العاطفي، الذي يصل إلى درجة " الحب " أو " العشق " بين قلبي رجل وامرأة، خلافًا لما كان يفعله بعض قبائل العرب في البادية من ضرورة حرمان المحب ممن يحبها، وخصوصًا إذا عرف ذلك، أو قال فيها شعرًا، ولو كان حبه من الحب العذري الطاهر العفيف.
إن الإسلام شريعة واقعية، ولهذا رأى ضرورة تتويج الارتباط العاطفي بارتباط شرعي قانوني، تتكون على أساسه أسرة مسلمة، يغذيها الحب، كما يغذيها الدين.
إن استبداد الأهل بالرأي، والصمم عن الاستماع لنبضات قلب الفتى والفتاة، وتغليب اعتبارات الرياء الاجتماعي، والمفاخرات الجاهلية بالأنساب والأحساب، ليس وراءه في النهاية إلا تعاسة الأبناء والبنات، أو دفعهم ودفعهن إلى التمرد على التقاليد التي تجاوز أكثرها الزمن، وغدت من مخلفات عصور الانحطاط وأصبح " نسب " عصرنا هو العلم والعمل والنجاح.
إن الذي يحرص عليه الإسلام بالنسبة للزوج أو الخاطب هو: الدين والخلق وهما أهم مقومات الشخصية المسلمة. وفي هذا يقول الرسول الكريم: " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". (رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة، والترمذي والبيهقي عن أبي حاتم المزني، وابن عدي عن ابن عمر، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 270).
وقد يتذرعان بوجوب طاعة االوالدين، وبأن مخالفتهما معصية، فما رأي الإسلام في هذه الظاهرة.
اسم المفتي: مجموعة من المفتين
نص الإجابة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
للوالدين على أولادهم حق الطاعة، والوالدان أولياء وأوصياء على أولادهما، ينفقان عليهم، ويرعونهم، وينصحونهم، ويمدونهم بكل ما يحتاجون. وقد يسئ الوالدان استخدام هذه الولاية فيجردان أولادهما من حق الاختيار، وهذا نوع من الاستعباد والامتنان لا يقره الإسلام.
وليعلم الوالدان أن رعايتهما لأولادهما أمر واجب وليس منة ولا تفضلا حتى يكبلا به كاهل أولادهما.
ودور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في النصح والتوجيه والإرشاد، ولكن ليس لهما أن يجبرا أولادهما- ذكورا وإناثا – على زواج لا يرضونه، بل الاختيار الأخير في هذا للأبناء. ما لم يتجاوز الأولاد فيختاروا لأنفسهم اختيارا فاسدا لا كفاءة فيه من ناحية الدين، فإن حدث هذا فللوالدين حق الاعتراض، وعلى الأبناء السمع والطاعة؛ لأن طاعة الوالدين حينئذ تقرير لطاعة الله الذي قال: ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) أما غير الصالحين والصالحات فيجب ردهم ولا كرامة.
جاء في فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث:
يعتبر عقد الزواج من أهم العقود؛ لما يترتب عليه من قيام أسرة جديدة في المجتمع، وإنجاب أولاد وحقوق وواجبات تتعلق بكل من الزوجين.
ولما كان كل واحد من الزوجين طرفاً في العقد؛ ناط الشارع إبرامه بهما، وجعله متوقفاً على إرادتهما ورضاهما، فلم يجعل للأب ولا لغيره على المرأة ولاية إجبار ولا إكراه في تزويجها ممن لا تريد، بل جعل لها الحق التام في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية (فتاة صغيرة السن) أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زَوَّجها وهي كارهة، فخَّيرها النبي صلى الله عليه وسلم. حديث صحيح. أخرجه أحمد والنَّسائي وابن ماجة من حديث عبد الله بن عبَّاس. وصحَّحه ابنُ القطَّان وابن حزم، وقوَّاه الخطيب البغدادي وابن القيم وابن حجر.
وجاءت النصوص النبوية الأخرى تؤكد للمرأة ذلك الحق فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيم حتى تستأمر" متفق عليه، وقال: "والبكر يستأذنها أبوها" رواه مسلم.
وبهذا جعل الإسلام عقد الزواج قائماً على المودة والرحمة، والألفة والمحبة، قال الله تعالى: [الروم: 21]، ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة) ومن المحال - عادة - تحقيق تلك المقاصد على الإكراه والإجبار.
لكن لما كانت المرأة - رغم إرادتها المستقلة التي جعلها الإسلام لها - عرضة لأطماع الطامعين، واستغلال المستغلين فقد شرع من الأحكام ما يحفظ حقوقها، ويدفع استغلال المستغلين عنها، فجعل لموافقة وليها على عقد زواجها اعتباراً هاماً يتناسب مع أهمية هذا العقد، لما يعكسه من أثر طيب يخيم على الأسرة الجديدة، ويبقي على وشائج القربى بين الفتاة وأوليائها، بخلاف ما لو تم بدون رضاهم، فانه يترتب عليه الشقاق والخلاف، فينجم عنه عكس المقصود منه.
وإن المجلس يوصي النساء بعدم تجاوز أولياء أمورهن، لحرصهم على مصلحتهن، ورغبتهم في الأزواج الصالحين لهن وحمايتهن من تلاعب بعض الخطاب بهن.
كما يوصي الآباء بتيسير زواج بناتهن، والتشاور معهن فيمن يرغب في الزواج منهن دون تعسف في استعمال الحق وليتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " أخرجه يحيى بن معين في "تاريخه" والبخاري في "الكنى" والترمذي وآخرون من حديث أبي حاتمٍ المزني. وحسَّنه التِّرمذي. وعامة الرواة يذكره بلفظ (وفساد عريض) بدل (كبير) ، وليعلموا أن عضلهن من الظلم المنهي عنه، والظلم محرم في الإسلام.انتهى
ويقول الشيخ نزار بن صالح الشعيبي-القاضي بمحكمة الشقيق- :-
الزواج يعتبر من خصوصيات المرء، فليس للأم ولا للأب إجبار ابنه أو ابنته على من لا يريدانه، خصوصاً إذا كان الدافع لهذا الإجبار الطمع في الدنيا ومتاعها الزائل، وهذا الفعل أي إجبار أحد الأبوين الأبناء على الزواج بمن لا يريدانه محرم شرعاً، لأنه ظلم وتعدٍ على حقوق الآخرين، وجمهور أهل العلم على أنه يحرم على الأب إجبار ابنته على الزواج بمن لا ترضاه إذا كانت بالغة عاقلة، فإذا كان هذا في حق الأب فالأم من باب أولى.
وإنما يستحب طاعة الوالدين في اختيار الزوج زوجته أو العكس، ما لم يكن هناك محذور شرعي، ومحاولة الأم هنا تزويج ابنتها بغير خطيبها فيه محذور شرعي وهو نهيه – صلى الله عليه وسلم – أن يخطب الرجل على خطبة أخيه" رواه البخاري ومسلم
من حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- فلا يجب على البنت طاعتها في ذلك، بل ولا يستحب لكون كلا الطرفين قد ركن إلى الآخر، ولا يوجد بالخطيب عيب وليس عليها إثم في هذا التصرف..
ولكن ينبغي أن يلاحظ أن المرأة لا يجوز لها تزويج نفسها، بل لابد من أن يتولى عقد المرأة وليها وهو والدها، وإن لم يوجد فأقرب رجل من معصبيها؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد وأبو داود (وغيرهما من حديث أبي موسى –رضي الله عنه-.انتهى.
ويقول الشيخ عطية صقر- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :-
مخالفة الوالدين في اختيار الزوج أو الزوجة حرام إذا كان لهما رأي ديني في الزوج أو الزوجة يحذران منه. أما إذا كان رأي الوالدين ليس دينيًا، بل لمصلحة شخصية أو غرض آخر –والزواج فيه تكافؤ وصلاح – فلا حرمة في مخالفة الوالدين.
ومطلوب أن يكون هناك تفاهم بالحسنى بين الطرفين، رجاء تحقق الاستقرار في الأسرة الجديدة، وحتى يتحقق الغرض الاجتماعي من الزواج الذي ليس هو علاقة خاصة فقط بين الزوج والزوجة، وإنما هو علاقة أيضًا بين أسرتين، وفيه دعم للروابط الاجتماعية.انتهى.
وقد سئل الشيخ عبد الله بن حميد- عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية:- رحمه الله- عن زواج الرجل من امرأة يحبها بدون موافقة الأهل فقال :-
لا بأس ، إذا كانت المرأة مستقيمة في دينها وعرضها . وكذلك مكافئة لك في النسب . فلا مانع من تزوجها . وإن لم يرض والداك إذا كان امتناعهما بغير حق ، وكانوا يكرهونها بغير حق ، وأنت راغب فيها ، وهي عفيفة في دينها وعرضها وسمعتها ونسبها فلا بأس بذلك ، ولا يعتبر ذلك عقوقاً فيما لو خالفت والديك في تزوجها ، ما دام أنهم لم يكرهوها بحق ، وإنما كُرههم لها مجرّد هوى ، وأمور نفسية . أما إذا كانوا يكرهونها لحق فلا ينبغي أن تتقدم إلى الزواج منها .انتهى.
وجاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:-
ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى ؛ فإن أكل المكروه غايته مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك ولا يمكن فراقه .انتهى مع التصرف.
والله أعلم .
المصدر: إسلام أون لاين
إجبار الوالد ابنته على الزواج
عنوان الفتوى: إجبار الوالد ابنته على الزواج
نص السؤال:
هل يجوز للوالد أن يجبر ابنته أو ابنه على الزواج ، وماذا لو حضر الولد أو البنت العقد ، فهل هذا كاف في الرضا من أحد منهما؟
اسم المفتي: مجمع الفقه بالهند
نص الإجابة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز للوالد أن يجبر ابنته أو ولده على النكاح، وإن أجبر الوالد البنت على إظهار الرضا وكان دافعه التهديد ،وشكت البنت للقاضي، فمن حق القاضي فسخ النكاح.إن ثبت له الإجبار.
وإليك قرارات مجمع الفقه بالهند في هذا الشأن :
1- إن الشريعة الإسلامية منحت البالغين من البنين والبنات حق التصرف في شئونهم الشخصية وحق الاختيار في النكاح، وهذه الحرية الشخصية هي من ميزات الشريعة الإسلامية، وكثير من الأقوام في الشرق والغرب إنما أعطوا المرأة حقها بتأثير من التعاليم الإسلامية.
2- لا يجوز قطعا للأولياء إجبار المرأة البالغة أو الابن البالغ على النكاح بدون مراعاة رغبتهما ورضاهما، فإصرار الأولياء على آرائهم واتخاذهم أساليب التهديد والتوعيد للإجبار على نكاح ما إنما هي محاولة فاسدة لحرمانهما من الحقوق التي أعطتهما الشريعة الإسلامية.
3- إن انعقاد النكاح يتوقف على إظهار الرضا وقت النكاح، فإذا أظهر الابن البالغ أو البنت البالغة رضاهما عند النكاح فينعقد النكاح.
4- إذا ثبت لدى القاضي الشرعي والمسئولين في دار القضاء أن الأولياء اتخذوا أسلوب الجبر والإكراه في نكاح المرأة البالغة، وأجبروها عند النكاح على التلفظ بالرضا، والمرأة غير راضية باستمرارية هذا الزواج، وتطالب بالفسخ، وزوجها لا يفرقها منه بنفسه ولا يرضى بالطلاق أو الخلع، فيحق للقاضي الشرعي فسخ هذا النكاح دفعا للظلم.
والله أعلم.
المصدر: إسلام أون لاين
الامتناع عن الزواج مخافة التقصير في تبعاته
عنوان الفتوى: الامتناع عن الزواج مخافة التقصير في تبعاته
نص السؤال:
هل يجوز للمرأة أن ترفض الزواج بحجه أنها لا تريد أن تعصي الله ؛ فهي لا تستطيع القيام بحقوق الزوج ؟ وهل يجوز لأهلها أن يرغموها على الزواج ساعتئذ أم أن لهم إجبارها؟
اسم المفتي: مجموعة من الباحثين
نص الإجابة:
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
يقول حامد العطار الباحث الشرعي بالموقع:-
الزواج يصبح واجبا- عند جمهور الفقهاء- في حالة واحدة وهي إذا خاف الرجل أو المرأة من الزنا إذا لم يتزوجا، فيجب على كل من ملك القدرة المالية والمعنوية على النكاح أن يتزوج إذا كان محتاجا إلى الزواج، وخاف من تصريف شهوته في الحرام، فإذا كان غير راغب في الجنس، وكان قادرا على ضبط نفسه – رجلا كان أو امرأة- فلا يجب في حقه الزواج عند جمهور الفقهاء ما لم يصبح هذا اتجاها عاما .
وقد أوجب الظاهرية مخالفين الجمهور الزواج لكل قادر عليه احتاج إليه أو لم يحتج.
ويكاد يكون الحق مع الجمهور، فقد رأينا عددا غير قليل من أئمة العلم وسادات الدنيا أعرضوا عن الزواج، وعاشوا عزابا، وقد ألف العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة كتابا في هؤلاء أسماه( العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج).
ولكن يجب أن نعرف لماذا أضرب هؤلاء الأئمة عن الزواج؟
لقد أضربوا عن الزواج؛ لأنهم رأوه كلفة مادية ومعنوية لا يتحقق من ورائها ما يتحقق بتركها، فقد رأوا أن الزواج يصرف عن العلم، ويأخذ جزءا من الوقت غير قليل، وقد يدعو إلى المجبنة والمبخلة فرأوه صارفا كبيرا عن العلم الذي نذروا له حياتهم.
لكن صاحبتنا هذه: لماذا تضرب عن الزواج؟ وأي باب هذا رأته يوصلها إلى الخير يغلقه عليها الزواج.
إن الزواج- إذا حسنت فيه النوايا- يكون بابا إلى الجنة، وذلك:-
1- لأن فيه الإعانة على إعفاف الغير، فالمرأة التي تتزوج تكون قد ساهمت في إعفاف زوجها، ومنعه من الحرام، وفي هذا من الأجر ما فيه.
2- فيه إعفاف النفس عن الحرام، وإشباعها بالحلال، والزواج ليس جنسا فحسب، ولكنه سكن ودفء ومودة، وحنان وعطف ورحمة وأنس.
3- فيه معاونة الطرف الآخر على عباداته وطاعاته، فالزوجة تعد لزوجها الملابس التي يصلي بها، وتطهرها له، وتفرش له السجادة التي يصلي عليها، وتعد له الماء الذي يتطهر به فتشاركه في الأجر والمثوبة.
4- فيه إسقاط لفريضة غائبة، وهي الدعوة إلى الله تعالى. فالدعوة إلى الله، وإصلاح الناس، وأمرهم بالمعروف، وإصلاح حالهم فريضة على الرجال والنساء معا، فإذا تزوجت المرأة، وكونت أسرة فقد أوجدت، وهيئت الجو الذي تمارس فيه هذه الفريضة، وتسقطها عن نفسه، حيث يصبح أولادها أرضا خصبة للإصلاح والتوجيه، والدعوة إلى الله تعالى.
5- فيه تكثير لسواد المسلمين، فالأسر المسلمة عجلات دافعة نحو جيل منشود، فلتحرص المرأة أن تكون لها أسرة في هذا الجيل المنشود ليكون غصة في حلق من يريد لديننا أن يذهب، ولأمتنا أن تذوب.
ولكن إذا خافت المرأة من عدم الوفاء بتبعات الزواج فقد يسعها أن تمتنع عنه بشرط أن تأمن على نفسها من الفتنة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيعي أباك فقالت والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته قال حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها أو انتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه قالت والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تنكحوهن إلا بإذنهن رواه البزار بإسناد جيد، وصححه الشيخ الألباني .
والله أعلم.
المصدر: إسلام أون لاين
الزواج والحب
عنوان الفتوى: الزواج والحب..دعوة للتعقل
نص السؤال:
أنا فتاة في الخامسة عشرة من عمري، يريد أهلي تزويجي من ابن عمي، وأنا لا أحبه، ولكني أحب شابًا غيره، فماذا أفعل ؟ أرشدوني
اسم المفتي: الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
نص الإجابة:
بسم الله ؛والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:ـ
فمسألة الحب والعواطف . يبدو أنها كثرت في هذه الأيام،نتيجة للتمثيليات والروايات والقصص والأفلام وغيرها .. فأصبح البنات متعلقات بمثل هذه الأمور، وأنا أخشى أن كثيرًا منهن يُخدع بهذه العواطف، ويُضحك عليها، وخاصة إذا كانت بمثل هذه السن، سن المراهقة والبلوغ، والقلب خال، والكلام المعسول إذا صادف قلبًا خاليًا تمكن فيه.
وهناك بعض الشبان يفعلون هذا مخادعين - مع الأسف - أو يتلذذون بهذا الأمر . ويتباهون في مجالسهم، بأن أحدهم استطاع أن يكلم اليوم الفتاة الفلانية، وغدًا يكلم أخرى وبعد غد سيكلم ثالثة . . . وهكذا.
فنصيحتي إلى الفتيات المسلمات ألا ينخدعن بهذا الكلام، وأن يستمعن إلى نصائح الآباء وأولياء الأمور والأمهات، وألا يدخلن على حياة زوجية بمجرد العاطفة، ولكن لا بد من وزن الأمور كلها بميزان العقل أولا، هذا من ناحية.
وأيضًا أقول لأولياء الأمور إن عليهم أن ينظروا في رغبات بناتهم، فلا ينبغي للأب أن يضرب برغبة ابنته عرض الحائط، ويجعلها كمًا مهملاً، ثم يزوجها بمن يريد هو لا بمن تريد هي فتدخل حياة زوجية وهي كارهة لها، مُرغمة عليها ؛ ذلك لأن الأب ليس هو الذي سيعاشر الزوج، وإنما هي التي ستعاشره، فلا بد أن تكون راضية . وهذا لا يقتضي ضرورة العلاقة العاطفية بين الشاب والفتاة قبل الزواج، إنما على الأقل، أن تكون مستريحة إليه راضية به.
ومن هنا، يأمر الإسلام بأن ينظر الخاطب إلى مخطوبته، ويراها وتراه، " فإن ذلك أحرى أن يؤدم بينكما " كما جاء في الحديث.
الشرع الإسلامي يريد أن تقوم الحياة الزوجية على التراضي من الأطراف المعنية في الموضوع كله . الفتاة تكون راضية، وعلى الأقل تكون لها الحرية في إبداء رغبتها ورأيها بصراحة، أو إذا استحيت تبديه بما يدل على رضاها، بأن تصمت مثلاً " البكر تستأذن وإذنها صماتها، والأيم أحق بنفسها " . أي التي تزوجت مرة قبل ذلك، لا بد أن تقول بصراحة: أنا راضية وموافقة .
أما البكر فإذا استؤذنت، فقد تستحي، فتصمت، أو تبتسم، وهذا يكفي . ولكن إذا قالت: لا . أو بكت، فلا ينبغي أن تُكره . والنبي صلى الله عليه وسلم رد زواج امرأة زُوِّجت بغير رضاها .
وجاء في بعض الأحاديث أن فتاة أراد أبوها أن يزوجها وهي كارهة . فاشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرادها أن تُرضي أباها مرة ومرتين وثلاثًا، فلما رأى إصرارها قال: افعلي ما شئت فقالت: أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن يعلم الآباء أنه ليس لهم من الأمر شيء.
فالذي أُنبِّه إليه في هذا الصدد بأنه لا بد للفتاة أن ترضى، ولولي أمرها أن يرضى، وهذا ما اشترطه كثير من الفقهاء، فقالوا بوجوب موافقة ولي الأمر حتى يتم النكاح . وجاء في الحديث " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " و" وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل ".
وكذلك ينبغي رضا الأم . كما في الحديث " 'آمروا النساء في بناتهن " لأن الأم تعرف رغبة بنتها، وبهذا تدخل الفتاة حياتها الزوجية وهي راضية، وأبوها راض، وأمها راضية، وأهل زوجها راضون . فلا تكون بعد ذلك حياة منغصة ومكدرة.
فالأولى أن يتم الأمر على هذه الصورة، التي يريدها الشرع الإسلامي الحنيف.
والله أعلم.
المصدر: إسلام أون لاين
الحب قبل الزواج وموقف الأهل
عنوان الفتوى: الحب قبل الزواج وموقف الأهل (رفض الخاطب لأنه أقل مركزًا)
نص السؤال:
قدر لي أو قدر على أن أتعلق بشاب مسلم مثقف، ذي خلق ودين وفيه في نظري كل ما تطلبه الفتاة في فارس أحلامها، وقد تعلق هو بي أيضًا، وأصبح كلانا لا يتصور أن يعيش بدون الآخر، فقد دخل قلبي ودخلت قلبه، وملك حبه على نفسي، وبنيت أملي ورجائي كله على أن يكون شريك حياتي وقسيم عمري.
ولا تظن يأفضيلة الأستاذ أن هذا كان نزوة من نزوات المراهقة، أو مغامرة من مغامرات الشباب، فما كان لنزوة أو مغامرة أن تستمر ست سنوات كاملة في طهارة واستقامة وبعد عن كل ريبة، دون أن تنطفئ شعلة الحب بيننا، أو تضعف علاقتنا، بل ما ازدادت على مر الأيام إلا قوة.
والمهم أنه بعد طول الانتظار والصبر هذه السنين حتى تخرج، واحتل مكانه في الدولة والمجتمع، وجاءت اللحظة التي ظللت انتظرها أنا وهو على أحر من الجمر، أقول: إنه بعد طول الانتظار تقدم إلى أهلي يخطبني على سنة الله ورسوله.
وهنا كانت المفاجأة، بل الصدمة العنيفة له ولي، فقد رفضه أهلي لا لسبب إلا لأن عائلته أقل مركزًا من عائلتنا، مع أن له أخًا شقيقًا خطب من عائلة أكبر من عائلتنا، ولم يجدوا في ذلك غضاضة، ولم يبدوا أي اعتراض.
وأنا لا أدري ماذا أصنع، فأنا لا أتصور الحياة بدونه، ولا أتخيل لي مستقبلا مع أحد غيره، وأنا مستعدة لأي شيء من أجله، حتى لو كانت روحي لا أبخل عليه بها، ولو أجبرت على الزواج من غيره فسيكون هذا حكمًا على بالموت، إن لم يكن ماديًا فمعنويًا.
فهل يقبل ديننا الحنيف هذا التصرف؟.
وهل هناك حل لمشكلتنا في ضوء الشرع الشريف؟.
اسم المفتي: الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
نص الإجابة:
بسم الله ؛ والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:ت
فيقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:ـ
أود أن أؤكد ما ذكرته مرارًا: أني لا أحبذ ما يقوله بعض الناس في عصرنا من ضرورة " الحب قبل الزواج " لأن هذا الطريق محفوف بالخطر محاط بالشبهات.
فكثيرًا ما يبدأ بداية غير سليمة ولا مستقيمة، كالحب الذي يأتي عن طريق المحادثات الهاتفية التليفونية العشوائية، التي يتسلى بها بعض الشباب في فترات فراغهم أو مللهم أو عبثهم، فتستجيب لهم بعض الفتيات، وهذا يحدث عادة من وراء الأهل، وبدون اختيار ولا تفكير لا من الفتى ولا من الفتاة، فهو يبدأ كما قالوا في التدخين " دلعًا" وينتهي " ولعًا"، يبدأ هزلاً وينتهي جدًّا.
وكثيرًا ما يؤدي إلى عواقب غير محمودة، لأنه يتم بعيدًا عن دائرة الضوء، مع طيش الشباب، وتحكم العواطف، وغلبة الهوى، وسيطرة الغرائز، ووسوسة الشياطين من الإنس والجن، وفي مثل هذا المناخ لا يبعد من الفتى والفتاة أن يقعا في الخطأ، وهما ليسا من الملائكة المطهرين، ولا الأنبياء المعصومين.
وفضلاً عن هذا وذاك قد يكون الحب بين طرفين غير متكافئين اجتماعيًا أو ثقافيًا، فتحول دونهما الحوائل، وتقف العقبات والعوائق دون ارتباطهما بالزواج، وفي هذا ما فيه من حرج الصدر، وشتات الأمر.
2ـ وأرى أن أفضل الطرق للزواج، هو ما تعارفت عليه مجتمعاتنا العربية والإسلامية قبل الغزوة الثقافية الغربية لأمتنا، وهو الاختيار الهادئ العاقل من كلا الطرفين لشريكة الحياة أو شريكها، بعد الدراسة المتزنة لشخصية كل من الشاب والشابة، وملاءمة كل منهما للآخر، وإمكانات النجاح لهذا الزواج من النواحي المزاجية والنفسية والعقلية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم وجود موانع وعقبات في طريق الزواج من جهة أحد الطرفين. أو أسرته، أو أعراف المجتمع أو قوانينه المرعية... إلخ.
هنا يأتي الخاطب البيت من بابه، ويتقدم إلى أهل الفتاة، ويتاح له رؤيتها، كما تتاح لها رؤيته، وحبذا أن يتم ذلك من غير أن تعلم الفتاة بذلك، رعاية لمشاعرها، إذا رآها الخاطب فلم تعجبه ولم تدخل قلبه.
3ـ ومع هذا كله أرى أنه إذا " دخلت الفأس في الرأس " كما يقال، أي " وقع الحب " بالفعل، وتعلق كل من الشاب والشابة أحدهما بالآخر، وكان من نوع الحب الطاهر الشريف، الذي تحدثت عنه ابنتنا السائلة، واستمر مدة طويلة دلت على أنه لم يكن نزوة طارئة، أو " لعب عيال " هنا ينبغي للأهل أن ينظروا في الأمر بعين البصيرة والحكمة، ولا يستبدوا بالرأي، ويرفضوا الخاطب بأدنى سبب، أو بلا سبب.
وينبغي الإصغاء جيدًا لما أرشد إليه الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " لم يُرَ للمتحابين مثلُ النكاح ". (الحديث رواه ابن ماجة (1847)، والحاكم 2/160 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن 7/78 والطبراني وابن أبي شيبة وغيرهم، من أكثر من طريق. وذكره الألباني في الصحيحة برقم (624) وقد روي في سبب وروده: أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن عندنا يتيمة وقد خطبها رجل معدم، ورجل موسر، وهي تهوى المعدم، ونحن نهوى الموسر، فقال:" لم ير للمتحابين مثل النكاح " ولكن القصة في سندها راوٍ مجهول. فالمدار على المرفوع).
يعني أن النكاح أي الزواج هو أنجح الوسائل لعلاج هذا التعلق العاطفي، الذي يصل إلى درجة " الحب " أو " العشق " بين قلبي رجل وامرأة، خلافًا لما كان يفعله بعض قبائل العرب في البادية من ضرورة حرمان المحب ممن يحبها، وخصوصًا إذا عرف ذلك، أو قال فيها شعرًا، ولو كان حبه من الحب العذري الطاهر العفيف.
إن الإسلام شريعة واقعية، ولهذا رأى ضرورة تتويج الارتباط العاطفي بارتباط شرعي قانوني، تتكون على أساسه أسرة مسلمة، يغذيها الحب، كما يغذيها الدين.
إن استبداد الأهل بالرأي، والصمم عن الاستماع لنبضات قلب الفتى والفتاة، وتغليب اعتبارات الرياء الاجتماعي، والمفاخرات الجاهلية بالأنساب والأحساب، ليس وراءه في النهاية إلا تعاسة الأبناء والبنات، أو دفعهم ودفعهن إلى التمرد على التقاليد التي تجاوز أكثرها الزمن، وغدت من مخلفات عصور الانحطاط وأصبح " نسب " عصرنا هو العلم والعمل والنجاح.
إن الذي يحرص عليه الإسلام بالنسبة للزوج أو الخاطب هو: الدين والخلق وهما أهم مقومات الشخصية المسلمة. وفي هذا يقول الرسول الكريم: " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". (رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة، والترمذي والبيهقي عن أبي حاتم المزني، وابن عدي عن ابن عمر، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 270).