يقول الله تعالى: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"[النحل:90].
بهذه الآية العظيمة تجلت محكمات التشريعات ومقاصدها، فالعدل في الأحكام والإحسان في الأعمال والأخلاق، والإيتاء في الأموال، عرض رباني لقيم الحياة العليا، ومصالحها العظيمة.
إن مقاصد التشريع هي الغايات والمصالح التي تتوخاها الشريعة في أحكامها، والعلل التي من أجلها قامت الشريعة أو قامت الأحكام، فالله عز وجل من أسمائه: الحكيم الخبير الذي لا يخلوا أمره من حكمة ورعاية مصلحة في الدنيا أو في الآخرة.
إن ( مقاصد التشريع الإسلامي) تنازعها طرفان: طرف يريد أن تتحول المقاصد إلى ذريعة للحد من مفردات الشريعة، والتخفف من أحكامها، والتنصل من أداء الواجبات، حتى ولو كانت الأركان الخمسة؛ تذرعاً بأن مقصد ذلك تهذيب الروح، وقد يستطيع الفرد العادي أن يمتلك قدراً من هذا التهذيب الذي يكفيه عن القيام بالواجبات، وهذا نوع من الخروج عن نظام الشريعة الذي أنزله الله تعالى، و ابتكار شريعة أخرى بشرية تنكر صلتها بالتشريع الرباني، وتقوم على عقل الإنسان المجرد، وتلغي جانب الوحي، فالإسلام: استسلام لله بالطاعة، "وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ"[لقمان:22].
إن قيام العدل – مثلاً – ليس بالأداء الإنساني المطلق، بل هو ضمن مقررات الشريعة العامة، ومحكمات الدين الحنيف، ولو حاول الإنسان تحقيق العدل، فإنه لن يستطيع أن يحققه بمعزل عن قواعد الشريعة وقوانينها.
وطرف آخر يتناول موضوع مقاصد التشريع على أنها أحكام ظاهرية، غير قابلة للفهم ولا للدراسة، فهم قد يخرمون قواعد الشريعة الكبار ومحكماتها المهمة؛ لفهم خاص فهموه من حديث، أو رأي صحابي، أو جملة تراثية هنا وهناك، ولا يمكن بحال الإضراب عن التراث الإسلامي الثري في كل المجالات، فقهها وحديثها وأصولها وتاريخها وغيرها , إلا أن ذلك ينبغي أن يكون مساعداً على فهم النصوص الربانية الأصلية لكلام الله عزل وجل: "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ"[فصلت:42]. وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى, إن فقه الكتاب، وفقه السنة هو في معرفة محكمات النصوص وقواعدها العامة، بحفظ مصالح الناس في الدنيا والآخرة، يقول الله جل وعلا: "هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ"[آل عمران:7].
إن مقاصد التشريع هي الحكم والعلل المتكررة في الشريعة بحيث تكون المصالح معتبرة في الشريعة نظراً واستقراءاً لجملة أحكامها، فالاستقراء هو العمل الأساسي لاكتشاف مقاصد التشريع، كما قرر ذلك أئمة المقاصد كالشاطبي وغيره.
إن من شأن المقاصد أن توسع دائرة التشريع ليتم إعمال المقاصد في كل منفعة تعود على المكلفين بخير متحقق ضمن وسائل مشروعة، وفي إطار فقهي يحفظ للنصوص الإسلامية حرمتها، ويعطي المقاصد مجالاً رحباً لعمارة الأرض التي كلف الله بها عباده؛ لعمارتها بالصالح العام والخير ونفع الناس ونشر الإيمان، يقول الحكيم الخبير: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"[النور:55].
إن الاجتهاد المعاصر بقدر ما يحتاج للنصوص العلمية يحتاج لفقه عام لهذه النصوص يؤهله لفقه النفس –كما يسميه العلماء- وذلك قدر عميق من الفقه يشمل نوعاً من معرفة مقاصد الأحكام، ومقاصد التشريع، ومقاصد المكلفين؛ كي لا يكون الاجتهاد الحرفي الظاهري عائقاً عن تحقيق المرجوّات العليا للشريعة، ولمّا فهم أحد الصحابة قوله تعالى: "حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ"[البقرة:187] أن ذلك خيط وحبل حقيقي قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنك لعريض الوساد ) أي قليل الفقه، وما أكثر قليلي الفقه المعاصرين الذي يمتحنون الناس في دقائق الأعمال والسنن المختلف فيها، ويقومون على مقاصد الدين العظام بالنقض، حيث لم يشعروا ولم يفقهوا.
الاجتهاد الحقيقي لا يمكن أن يتصور في الشريعة إلا بالنظر إلى المقاصد, وكان الشاطبي -رحمه الله- يشترط في الاجتهاد معرفة اللغة العربية، ومعرفة المقاصد الشرعية؛ لأن معرفة المقاصد أداة لازمة لإدراك ضرورات الدين وحاجياته، وتحسينياته، فقليل المعرفة بالمقاصد قد لا ينظر إلا إلى آحاد المسائل الحاجية والتحسينية، ويغفل عن علاقاتها بضروريات الدين، وعلماء الإسلام حرروا الضروريات، وجعلوها خمسة: النفس والدين والعقل والعرض والمال، وزاد بعض المعاصرين شيئاً سادساً مثل العدالة، أو الحرية، أو الوحدة، وأرى أن أدق ما يمكن أن يزاد هو ضرورية ( الاجتماع ) بمعنى أن الشريعة جاءت لحفظ المصالح الاجتماعية مثل العدل والمساواة، والحرية والكرامة الإنسانية، والاجتماع والائتلاف، ومن طريقة الشريعة أنها تقدم مصلحة الاجتماع على بعض المعاني الشرعية المعتبرة، ولأجل تحقيق هذه الضرورية جاء تشريع صلاة الجماعة والجمعة والحج، وتقديم الاجتماع على حاجية إعادة بناء الكعبة- كما في الصحيحين, وهذا المعنى جرت عادة الشريعة بطلبه وتحقيقه، وكذلك المعاني العظيمة المقصودة فإن على المجتهد أن يعتمدها في اجتهاده ويضع لها حظاً وافراً من النظر، خصوصاً في الأحوال الاستثنائية التي تحتاج إلى مزيد جهد في مراعاة الصالح والأصلح، وحفظ الأولى، وفقه الأشياء, وإنّ إغفال ذلك في مثل هذا الواقع يزرع الشك في قيمة التشريع، ويبعد الناس عن حقيقة مراد الشارع.
وما يمكن عرضه من مقاصد الشريعة وبحثه يمكن تحديده بمستويين:
مستوى يحسن بالناس عامة من المكلفين معرفته، واعتباره في مقاصد الشريعة، كالأخلاق، وبيان الضرورات، وكيفية رعايتها، وغير ذلك.
ومستوى آخر لا يحق إلا للمتخصصين؛ لعمق مأخذه، ولأنه يحتاج لمزيد عناية وجهد، فبناءً عليه تحق الفتوى للمجتهد، ويكون المرء ناظراً معتبراً، وصاحب رأي في فهم النصوص الإسلامية والمقاصد الشرعية، ومراعاتها في قراءة النص، وقراءة الواقع؛ لإصدار الأحكام والفتاوى والأقضية.
وختاماً فإن الحاجة المعاصرة لمعرفة المقاصد تظهر في بعد الناس عن إدراك مراد الشارع في رعاية اجتماع الناس، وحفظ حريتهم، والقيام على شئونهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وحثهم على قيم العمل والاستثمار والاجتهاد، واستغلال طاقات الأرض لزرعها وحرثها، وتنمية الموارد المعاصرة، وبث قيم الإنتاج والصنع التي أحوج ما يكون إليها المسلم المعاصر، والذي يعرف الكثير من أحكام الشرع، ولا يعرف إلا القليل من مقاصد الشرع.
بهذه الآية العظيمة تجلت محكمات التشريعات ومقاصدها، فالعدل في الأحكام والإحسان في الأعمال والأخلاق، والإيتاء في الأموال، عرض رباني لقيم الحياة العليا، ومصالحها العظيمة.
إن مقاصد التشريع هي الغايات والمصالح التي تتوخاها الشريعة في أحكامها، والعلل التي من أجلها قامت الشريعة أو قامت الأحكام، فالله عز وجل من أسمائه: الحكيم الخبير الذي لا يخلوا أمره من حكمة ورعاية مصلحة في الدنيا أو في الآخرة.
إن ( مقاصد التشريع الإسلامي) تنازعها طرفان: طرف يريد أن تتحول المقاصد إلى ذريعة للحد من مفردات الشريعة، والتخفف من أحكامها، والتنصل من أداء الواجبات، حتى ولو كانت الأركان الخمسة؛ تذرعاً بأن مقصد ذلك تهذيب الروح، وقد يستطيع الفرد العادي أن يمتلك قدراً من هذا التهذيب الذي يكفيه عن القيام بالواجبات، وهذا نوع من الخروج عن نظام الشريعة الذي أنزله الله تعالى، و ابتكار شريعة أخرى بشرية تنكر صلتها بالتشريع الرباني، وتقوم على عقل الإنسان المجرد، وتلغي جانب الوحي، فالإسلام: استسلام لله بالطاعة، "وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ"[لقمان:22].
إن قيام العدل – مثلاً – ليس بالأداء الإنساني المطلق، بل هو ضمن مقررات الشريعة العامة، ومحكمات الدين الحنيف، ولو حاول الإنسان تحقيق العدل، فإنه لن يستطيع أن يحققه بمعزل عن قواعد الشريعة وقوانينها.
وطرف آخر يتناول موضوع مقاصد التشريع على أنها أحكام ظاهرية، غير قابلة للفهم ولا للدراسة، فهم قد يخرمون قواعد الشريعة الكبار ومحكماتها المهمة؛ لفهم خاص فهموه من حديث، أو رأي صحابي، أو جملة تراثية هنا وهناك، ولا يمكن بحال الإضراب عن التراث الإسلامي الثري في كل المجالات، فقهها وحديثها وأصولها وتاريخها وغيرها , إلا أن ذلك ينبغي أن يكون مساعداً على فهم النصوص الربانية الأصلية لكلام الله عزل وجل: "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ"[فصلت:42]. وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى, إن فقه الكتاب، وفقه السنة هو في معرفة محكمات النصوص وقواعدها العامة، بحفظ مصالح الناس في الدنيا والآخرة، يقول الله جل وعلا: "هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ"[آل عمران:7].
إن مقاصد التشريع هي الحكم والعلل المتكررة في الشريعة بحيث تكون المصالح معتبرة في الشريعة نظراً واستقراءاً لجملة أحكامها، فالاستقراء هو العمل الأساسي لاكتشاف مقاصد التشريع، كما قرر ذلك أئمة المقاصد كالشاطبي وغيره.
إن من شأن المقاصد أن توسع دائرة التشريع ليتم إعمال المقاصد في كل منفعة تعود على المكلفين بخير متحقق ضمن وسائل مشروعة، وفي إطار فقهي يحفظ للنصوص الإسلامية حرمتها، ويعطي المقاصد مجالاً رحباً لعمارة الأرض التي كلف الله بها عباده؛ لعمارتها بالصالح العام والخير ونفع الناس ونشر الإيمان، يقول الحكيم الخبير: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"[النور:55].
إن الاجتهاد المعاصر بقدر ما يحتاج للنصوص العلمية يحتاج لفقه عام لهذه النصوص يؤهله لفقه النفس –كما يسميه العلماء- وذلك قدر عميق من الفقه يشمل نوعاً من معرفة مقاصد الأحكام، ومقاصد التشريع، ومقاصد المكلفين؛ كي لا يكون الاجتهاد الحرفي الظاهري عائقاً عن تحقيق المرجوّات العليا للشريعة، ولمّا فهم أحد الصحابة قوله تعالى: "حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ"[البقرة:187] أن ذلك خيط وحبل حقيقي قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنك لعريض الوساد ) أي قليل الفقه، وما أكثر قليلي الفقه المعاصرين الذي يمتحنون الناس في دقائق الأعمال والسنن المختلف فيها، ويقومون على مقاصد الدين العظام بالنقض، حيث لم يشعروا ولم يفقهوا.
الاجتهاد الحقيقي لا يمكن أن يتصور في الشريعة إلا بالنظر إلى المقاصد, وكان الشاطبي -رحمه الله- يشترط في الاجتهاد معرفة اللغة العربية، ومعرفة المقاصد الشرعية؛ لأن معرفة المقاصد أداة لازمة لإدراك ضرورات الدين وحاجياته، وتحسينياته، فقليل المعرفة بالمقاصد قد لا ينظر إلا إلى آحاد المسائل الحاجية والتحسينية، ويغفل عن علاقاتها بضروريات الدين، وعلماء الإسلام حرروا الضروريات، وجعلوها خمسة: النفس والدين والعقل والعرض والمال، وزاد بعض المعاصرين شيئاً سادساً مثل العدالة، أو الحرية، أو الوحدة، وأرى أن أدق ما يمكن أن يزاد هو ضرورية ( الاجتماع ) بمعنى أن الشريعة جاءت لحفظ المصالح الاجتماعية مثل العدل والمساواة، والحرية والكرامة الإنسانية، والاجتماع والائتلاف، ومن طريقة الشريعة أنها تقدم مصلحة الاجتماع على بعض المعاني الشرعية المعتبرة، ولأجل تحقيق هذه الضرورية جاء تشريع صلاة الجماعة والجمعة والحج، وتقديم الاجتماع على حاجية إعادة بناء الكعبة- كما في الصحيحين, وهذا المعنى جرت عادة الشريعة بطلبه وتحقيقه، وكذلك المعاني العظيمة المقصودة فإن على المجتهد أن يعتمدها في اجتهاده ويضع لها حظاً وافراً من النظر، خصوصاً في الأحوال الاستثنائية التي تحتاج إلى مزيد جهد في مراعاة الصالح والأصلح، وحفظ الأولى، وفقه الأشياء, وإنّ إغفال ذلك في مثل هذا الواقع يزرع الشك في قيمة التشريع، ويبعد الناس عن حقيقة مراد الشارع.
وما يمكن عرضه من مقاصد الشريعة وبحثه يمكن تحديده بمستويين:
مستوى يحسن بالناس عامة من المكلفين معرفته، واعتباره في مقاصد الشريعة، كالأخلاق، وبيان الضرورات، وكيفية رعايتها، وغير ذلك.
ومستوى آخر لا يحق إلا للمتخصصين؛ لعمق مأخذه، ولأنه يحتاج لمزيد عناية وجهد، فبناءً عليه تحق الفتوى للمجتهد، ويكون المرء ناظراً معتبراً، وصاحب رأي في فهم النصوص الإسلامية والمقاصد الشرعية، ومراعاتها في قراءة النص، وقراءة الواقع؛ لإصدار الأحكام والفتاوى والأقضية.
وختاماً فإن الحاجة المعاصرة لمعرفة المقاصد تظهر في بعد الناس عن إدراك مراد الشارع في رعاية اجتماع الناس، وحفظ حريتهم، والقيام على شئونهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وحثهم على قيم العمل والاستثمار والاجتهاد، واستغلال طاقات الأرض لزرعها وحرثها، وتنمية الموارد المعاصرة، وبث قيم الإنتاج والصنع التي أحوج ما يكون إليها المسلم المعاصر، والذي يعرف الكثير من أحكام الشرع، ولا يعرف إلا القليل من مقاصد الشرع.