(( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ))
[البخاري عن عبد الله بن عَمْرو]
ألسنة المؤمنين، قد يتوهم بعض المؤمنين أن المسلم عليه أن يحسن معاملته للمسلمين فحسب بينما لو قصر مع غير المسلمين فلا شيء عليه لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ))
والحقيقة هي أن هذا الحديث له معنى دقيق جداً قد لا يخطر ببال أحد وهو أن مجموع المسلمين، سمعة المسلمين، شخصية المسلمين المعنوية يجب أن تسلم من هذا المسلم، أي أنت لو عاملت مجوسياً أو عابد صنم، وأسأت إليه وعرف أنك مسلم لا يتهمك أنت بل يتهم إسلامك، بل يتهم الإسلام كله، بل يتهم الدين كله.
فأنت لا كما يظن بعض الناس من أنك يجب أن تحسن المعاملة للمسلمين فقط يجب أن تحسن المعاملة لكل المخلوقات، فلو أنك كنت دقيقاً في معاملتك مع المسلمين وجب أن تكون أكثر دقة بآلاف المرات فيما لو تعاملت مع غير المسلمين، لأنك إذا عاملت مسلماً وقصرت معه يتهمك بشخصك أنت، هو مسلم وأنت مسلم، فإذا أسأت إليه يقول: فلان الفلاني أساء إلي، لكنك إذا عاملت غير مسلم وأسأت إليه مباشرةً يطول دينك يقول: أهكذا الإسلام؟ أإسلامكم يأمركم بهذا؟ أهكذا ينبغي أن يفعله المسلم أهذا هو الدين؟ أهذا هو دين الله عز وجل؟ شيء دقيق جداً إذا عاملت غير المسلم فعد للمئات، إذا ظن أنك قد أخذت ماله بغير حق لغط في عرض المسلمين، إذا كذبت عليه لغط في عرض المسلمين، فلا يكون المسلم مسلماً حقاً حتى ينجو المسلمون جميعاً في سمعتهم من لسانه ويده، هذا الحديث الشريف لو طبقه المسلمون لدخل الناس في دين الله أفواجاً، ولكن قد يفهمه بعضهم على أنك يجب أن تكون دقيقاً مع المسلمين فقط، أما مع غير المسلمين فهؤلاء كفار خذ من أموالهم ما شئت، هذا كلام فارغ لا يرضي الله عز وجل، ولا ينطبق مع نص هذا الحديث، المسلمون لهم شخصية معنوية، المسلمون لهم سمعةٌ طيبة، كل من تعامل مع غير المسلمين وأساء لهم فإن هذه السمعة قد تخدش، وإن هذا الريح الطيب قد تسوء، وإن هذه السمعة الطيبة قد تصاب بالخلل والعطب.
(( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ))
[البخاري عن عبد الله بن عَمْرو]
وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يجعل العمل عملين، عمل اللسان وعمل البنان، فاللسان له عمل، فالغيبة من معاصي اللسان، والنميمة، والوشاية، والسخرية، والاستهزاء، والاستعلاء، هذه كلها من أعمال اللسان، الإنسان وإن لم يفعل شيئاً مادياً يكفي أن يستهزئ بإنسان، يكفي أن يطوله بكلمات نابية، يكفي أن ينم بين شخصين، بين مؤمنين يكفي أن يفرق بلسانه.
فشتان أن تفهم هذا الحديث على أن المسلم عليه أن يكون محسناً للمسلمين فقط وبين أن تفهم الحديث على أن المسلم يجب أن يبالغ في دقة معاملته لغير المسلمين، لئلا يساء إلى سمعة المسلمين، وبهذا يضعف المسلمون أمام خصومهم من طريقة إساءة معاملة الآخرين.