[size=24]


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله المنتقم من شانئ دينه، والصلاة والسلام على من انتصر للشرع بالسيف
وبعد,

فهذا توضيحٌ رأيتُ أن أشارك به لا ادعاءً لثوب ليس لي، فما أنا من أهل العلم ولا من أحلاسه

ولكنه فهمٌ لعله ينهض للقيام إزاء تطاول من تجاسرت على شرع الله ثم ادعى بعض من بردت في قلبه مهابة الشريعة أنها لم تأت بجديد، وأنها لم تتطاول، وأنها تبنت رأيا مخالفا فحسب!

ولست أعني بمن بردت في قلبه مهابة الشريعة : بعض أهل العلم والفضل ممن فرق بين التكفير بإنكار العدة وإنكار الإحداد مع تأكيده على عدم إغفال سياق الكاتبة وعدم نسيان قرائن حالها من الزندقة.


أقول وبالله التوفيق - وما بين الأقواس المعقوفة[ ] منقول بتصرف- :

1- العدة وهي[ التربص المحدد شرعا] أو[ مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه وهي المدة التي جعلت دليلا على براءة الرحم ]

حكمٌ شرعيّ ثابت بالكتاب وبالسنة وبإجماع المسلمين ومن ينكره مرتد بالإجماع وهي تختلف عن الإحداد.

2- الإحداد وهو: [ عبارة عن ترك الزينة من الطيب ، ولبس ما يدعو المرأة إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك - كالخروج من المنزل بلا حاجة- وهو واجب في عدة الوفاة ]

وهو حكمٌ شرعي ثابت بالسنة الصحيحة، ومن أحاديثه ماهو متفق عليه بين الشيخين فهو إذن في أعلى مراتب القبول من الأمة، ثم هو واجب بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم كما حكى ذلك العلماء وباتفاق جمهور الفقهاء من بعدهم وشذ عن جمهورهم الحسن البصري والشعبي رحمهما الله فروي عنهما عدم الإحداد، [ومخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج] كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر، كما روي ذلك أيضا عن الحكم بن عتيبة وسيأتي بيانه .

3- زعمت الكاتبة أن الواجب هو العدة فقط وأنكرت الإحداد برمته ولم تنكر وجوبه فحسب، بل وتطاولت على النصوص التي جاءت به ووصفتها بدائها هي فزعمت أنها مأفونة وأن التراث الذي جاء بها تراث كذاب ، فهاهنا فرق دقيق بين إنكار وجوب شعيرة وبين إنكار الشعيرة بأكملها ينبغي التنبه له وسيأتي شرحه.

4- زعم بعضهم أن الكاتبة لم تتطاول على الشرع وغاية ما فعلته أنها ذهبت لرأي سبقها له بعض السلف، وهؤلاء لو أنهم كلفوا أنفسهم بضع دقائق لمراجعة المصادر اللازمة لاستبان لهم أنها أتت بشناعة ما سبقها إليها مؤمن فضلا عن عالم من السلف، ولكن أسهل شيء عليهم قراءة الدعاوى دون جهد البحث وإعمال النظر.

5- ظن بعضهم أن الكاتبة تتهكم بالمكث في المنزل فقط ونص مقالها التهكم بكل شروط الإحداد من ترك الزينة والتطيب إلخ، فمشكلتها إذن مع الإحداد كله.

6- أما ماذهب إليه الحسن البصري والشعبي والحكم بن عتيبة رحمهم الله فهو كالتالي : روي عنهم ما محصلته عدم الإحداد فأما الحسن روي عنه في ‏مصنف ابن أبي شيبة :
أنه كان لايرى الإحداد شيئا.
ومعنى ذلك أنه لا يراه شرعا.
وأما الحكم فروي عنه أن المعتدة لا تحد
وأما الشعبي فروي عنه أنه لا يعرف الإحداد

ونحن هنا لا نبحث في أسانيد هذه الروايات عنهم ومدى صحتها فليست هي المقصود، وإنما نبحث مسلك ردهم للإحداد بالتسليم الجدلي أن كل هذه الروايات ثابتة وصحيحة،
وإلا فإنها في الحقيقة تتفاوت فما روي عن الحسن ليس كما روي عن الحكم،

فالمحصلة أن ثمة حكم منفي نريد مناقشة سبب رده سواء كان قائله لا يراه شرعا أو لا يعرفه فهو في النهاية لا يرى وجوب الإحداد ، ونوضح لماذا جاءت هذه الأحكام بهذه الصورة وعلى أي مسلك سارت لنقارنها بما جنته يد الكاتبة :

أولا :
يجب أن نعلم رتبة هذا القول فهو قول شاذ ولا يعتد به وحكى الفقهاء إجماع الصحابة على الإحداد ثم اتفاق الجمهور بعدهم على وجوبه ولا مخالف إلا هؤلاء الثلاثة.
وقد قال الإمام ابن قدامة في المغني عن قول الحسن
"وهو قول شذ به عن أهل العلم وخالف به السنة فلا يُعرَّج عليه "
وسبق قول الحافظ ابن حجر في أن خلاف الحسن والشعبي لا يقدح في الاحتجاج.

ثانيا :
حين ناقش العلماء جوابات هذا القول الشاذ على أدلة الجمهور، وبينوا مسالك رد هذا الحكم الذي تظافرت الأدلة الصريحة على وجوبه، أجابوا بثلاث جوابات عن النافين لوجوبه :

أ- إما عدم الوجوب مع بلوغ الأحاديث الواردة في الإحداد لهم وصرفهم لها عن الوجوب تأولا لها على وجه آخر من حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها في الإحداد على جعفر وهو حديث شاذ ، وهذا النص بعدم الوجوب مروي عن الحسن والحكم، فروي عنهما عدم وجوبه، يقول الإمام ابن القيم في زاد المعاد :
[ فالإحداد على الزوج عزيمة، وعلى غيره رخصة وأجمعت الأمة على وجوبه على المتوفَّى عنها زوجُها إلا ما حُكي عن الحسن، والحكم بن عتيبة. أما الحسن، فروى حماد بن سلمة، عن حميد، عنه، أن المطلقة ثلاثًا، والمتوفَّى عنها زوجها تكتحلان وتمتشطان، وتتطيَّبان وتختضبان، وتنتقلان، وتصنعان ما شاءتا، وأما الحكم: فذكر عنه شعبة: أن المتوفى عنها لا تُحِدُّ. ] انتهى كلامه

وقد احتجوا لذلك بحديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها :
عن أسماء بنت عميس أنها استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تحدّ على جعفر وهي امرأته فأذن لها ثلاثة أيام ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام أن تطهري واكتحلي

قال الإمام أحمد عن حديث أسماء ( هذا شاذ ولا يؤخذ به )
مع ملاحظة أن المتطاولين قد لا يعلمون أن الإمام أحمد أخرج حديث أسماء هذا ورواه من طريق عبدالله بن شداد بن الهاد وسيأتي ذكره، وربما ظنوا به عسفا فكريا كعسفهم يتيح له كتم النصوص الواردة والخوف من مناقشتها بوضوح!

ب- وإما أنهم قالوا بعدم الوجوب لظنهم أن أحاديث الإحداد منسوخة بحديث أسماء سالف الذكر قال في زاد المعاد مجيبا عن أدلة النافين للإحداد :
[ قال ابن حزم:
واحتج أهل هذه المقالة، ثم ساق من طريق أبي الحسن محمد بن عبد السلام، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، حدثنا الحكم بن عتيبة، عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لامرأة جعفر بن أبي طالب: (إذا كَانَ ثلاثَة أيَّامٍ فالبسي ما شئتِ، أو إذا كان بعد ثلاثة أيام)- شعبة شك-.

ومن طريق حماد بن سلمة، حدثنا الحجَّاج بنُ أرطاة، عن الحسن ابن سعد، عن عبد اللَّه بن شداد، أن أسماءَ بنت عميس استأذنت النبيّ صلى الله عليه وسلم أن تبكي على جعفر وهي امرأتُه، فأذن لها ثلاثةَ أيام، ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام أن تطهري واكتحلي.

قالوا: وهذا ناسخ لأحاديث الإحداد، لأنه بعدها، فإن أم سلمة رضي اللَّه عنها روت حديث الإحداد، وأنه صلَّى اللَّه عليه وسلم أمرها به إثر موت أبي سلمة ولا خلاف أن موت أبي سلمة كان قبل موت جعفر رضي اللَّه عنهما.

وأجاب الناسُ عن ذلك بأن هذا حديث منقطع، فإن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد لم يسمع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا رآه، فكيف يُقَدَّمُ حديثُه على الأحاديث الصحيحة المسندة التى لا مطعن فيها؟

وفي الحديث الثاني: الحجاج بن أرطاة، ولا يُعارض بحديثه حديثُ الأئمة الذين هم فرسانُ الحديث] انتهى كلامه.

ج-وإما عدم العلم بالوجوب لعدم بلوغ أحاديث الإحداد لهم وبيان ذلك كالتالي :

جاء في فتح الباري :
[ ورد بأن المنقول عن الحسن البصري أن الإحداد لا يجب أخرجه ابن أبي شيبة ونقل الخلال بسنده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد قال أحمد :"ما كان بالعراق أشد تبحرا من هذين" يعني الحسن والشعبي، قال:" وخفي ذلك عليهم" ]

فهنا تجد نصين في تفسير ماورد عنهما، الأول أنه لا يجب كما أخرجه ابن أبي شيبة ، والثاني يصف الحكم بالخفاء عليهم كما روي عن الشعبي أنه لا يعرفه وكقول أحمد ( وخفي ذلك عليهم) وهذا يفهم منه عدم بلوغ الأحاديث لهما، فإن التعجب من الخفاء يختلف عن التعجب من القول بعدم الوجوب مع تأول الأحاديث فليس في التأول خفاءً ! ،

ولعل هذا يصدق على الشعبي فحسب لأنه روي عنه أنه لا يعرف الإحداد، فيكون هو الذي خفي عليه ولم تبلغه أحاديثه أما الحسن والحكم فكما أسلفنا بالأعلى من ذكر ما روي عنهما من نفي الإحداد

يعضد ما سبق من التفسير بالخفاء لهذا القول الشاذ بعدم الوجوب نص آخر تجده للإمام ابن المنذر ينقله عنه القرطبي في تفسيره فيقول :
[ قال ابن المنذر: كان الحسن البصري من بين سائر أهل العلم لا يرى الإحداد، وقال: المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها تكتحلان وتختضبان وتصنعان ما شاءا. وقد ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإحداد، وليس لأحد بلغته إلا التسليم، ولعل الحسن لم تبلغه، أو بلغته فتأولها بحديث أسماء بنت عميس أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تحد على جعفر وهى امرأته، فأذن لها ثلاثة أيام ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام أن تطهري واكتحلي. قال ابن المنذر: وقد دفع أهل العلم هذا الحديث بوجوه، وكان أحمد بن حنبل يقول: هذا الشاذ من الحديث لا يؤخذ به].

فكما ترى لا يتصور أحد من أهل العلم ممن ناقش هذا القول الشاذ لهؤلاء الثلاثة إلا التأول بحديث شاذ( حديث أسماء بنت عميس ) أو ظن النسخ به، أو عدم بلوغ أحاديث الإحداد لهم وخفائها عليهم،

أما بلوغها لهم مع إنكارها فضلا عن شتمها وتكذيبها وقد جاءت لهم بصورة يثبت عندهم أنها صحيحة =فلا يتعرض له أحد من أهل العلم لأنه لم يقع أصلا من هؤلاء ولذلك قال ابن المنذر معتذرا للحسن :

(وقد ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإحداد، وليس لأحد بلغته إلا التسليم، ولعل الحسن لم تبلغه)

7-
أ)إذن، لم يصح أن أحدا من هؤلاء بلغته أحاديث الإحداد فتهكم بها ووصفها بالتراث المأفون الكذاب ، بل غاية ما ذهبوا إليه صرف الوجوب تأولا بحديث شاذ أو ظن نسخ بزمانات الأحاديث أو عدم علم بالأحاديث، وأحاديث الإحداد ثابتة وصحيحة فلا يقدم الشاذ أوالمنقطع على الصحيح - هذا غير إجماع الصحابة واتفاق الجمهور-،

فالقول بعدم الوجوب حين نفسره أنه مبني على تأوله بحديث هو يعني بالضرورة أن المتأولين لا ينكرون ما سواه من الأحاديث التي قالت بالوجوب وإلا لما تأولوها !

ثم إن في التأول من معاني الخضوع للشرع الشيء الكثير، فالقلب إن كان كالكوز مجخيا سيضرب بالدلائل عرض الحائط عند توهمه تضاربها ويرفضها كلها، أما بحثه وإعماله الفكر فيها وقيام عملية تأويلية دقيقة لها لئلا يفلت حديث من مرمى التسليم للشريعة، هو دليل قاطع على مسلكٍ معظم لله ولرسوله مذعن للنصوص ورقابها. أما القول بالنسخ فيعني الإقرار بأصل الحكم الشرعي وإلا لما صار منسوخا وسيأتي مناقشته.

ب) والقول أنها لم تبلغهم الأحاديث أصلا ولا يعرفونها يختلف عمن يعلم أن أحاديثا رويت في هذا الشأن فيشتمها ، فعدم بلوغ الشيء لك أمر، ووصفك للشيء بعد بلوغه لك وعلمك بدرجة صحته بالشرع الذكوري وبازدراء المرأة وبالتراث المأفون أمر آخر لا يتعلق بالخلاف في كتب الفقه ألبتة ،

هذا مع ملاحظة الفارق بين زمان الرواية شفهيا وزمان الرواحل وتباعد الأسفار الذي يستوجب إعذارا لمن ثبت علمه وفضله ويستوجب حملا لقوله الشاذ على ما لا يخل بدينه ، وبين زمان تُرى فيه الأحاديث الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول مطبوعة ومنشورة ورقيا وإلكترونيا والبحث عنها ميسر للصغير والكبير فلا خفاء مع صدور الكلام عمن عرف حاله ومرد على النفاق وتكررت استهانته وهو بعدُ يشتم هذه الأحاديث ويصفها بالتراث المأفون والكذاب كما جاء ذلك نصا في مقال المذكورة ، هذا مسلك إبليسي لا سلف فيه للكاتبة إلا الشيطان.

8- إنكار وجوب شعيرة شيء، وإنكار الشعيرة هذه ونفي نسبتها للشرع شيء آخر فضلا عن الإقذاع في شتمها و أضرب لذلك مثلين :

المثال الأول:
الفعل التعبدي إن كان له أصل يحث عليه في الشرع يدور القول فيه بين الوجوب والاستحباب والنسخ إلى غيره
وإن لم يكن للفعل التعبدي أصل شرعي يحث عليه فيسمى بدعة

عندما يناقش العلماء حكم الاحتفال بالمولد لاتجدهم يقولون لا يجب، فهو أصلا بدعة مخترعة،فيقولون بدعة، لأن العالم الراسخ يعلم أن مفهوم قوله لا يجب عن فعل تعبدي في باب التقرب لله ثم سكوته دون مزيد توضيح= يعني أن للمولد أصلا شرعيا، فمن شاء احتفل بالمولد على الخيار المتاح له من عدم الوجوب، ولأن العالم السلفي عندما يقول عن حكم المولد لا يجب، يكون قوله لا يتعارض لازمه مع قول المبتدع الذي يرى استحباب الاحتفال بالمولد، فالاستحباب يلزم منه عدم الوجوب، فتوافَقَ لازم القولين إذن

وهذا يختلف عن قولهم لا يجب، في الأحكام الحياتية المعيشية فإن حديثي عن الأفعال التعبدية المحضة ‏فصورة المسألة أن القول بعدم الوجوب فيما هو أمر تعبدي لا يستلزم الإباحة بداهةً بل يستلزم أحد أمرين :

إما الإستحباب أو النسخ لغيره، لأنه مما يتعبد الله به والمباح لا يثاب فاعله فإن كان لا يثاب فاعله فليس له علة تعبدية إذن ولا يستحب، أو أن يكون منسوخا لغيره .

‏والحديث إنما هو عن أمر تعبدي، ولا شك أن الإحداد أمر تعبدي محض، فكان ما روي عن الحسن والحكم من عدم الإحداد (إذا فسرناه بالنسخ) =يكون مستلزما للإقرار أن له أصلا شرعيا فإن النسخ لا يكون إلا في الشرائع ، وإن كان حكما غير منسوخ بل مختلق أصلا =كان من اللازم لهما التصريح ببدعيته وهذا ما لم يرد عنهما.

مع ملاحظة أنه مصروف عن الإستحباب لأننا نفسره الآن على القول أنهما أرادا أنه منسوخ لا على أنهما أرادا التأول ،

فيكون معقد المحاججة أن قولهما الشاذ بنسخه يلزم منه أن له أصلا شرعيا جاء به الشرع ثم عدل عنه إلى نسخه بغيره إذن فالقول بأنه منسوخ بحد ذاته =فيه إقرار بأصله الشرعي وأنه مما نزل به الشرع ولا يقول أحد من أهل العلم أنه يجوز التطاول على الأحكام المنسوخة والتي أصلها علة تعبدية وشتمها،

وقد يلتبس الأمر فيقال، ولكن قولك أنه لا يجوز الاستهزاء بالحكم المنسوخ ووجوب احترامه يلزم منه احترام شرب الخمر والمتعة لأنهما من المنسوخ جوازُه

فيقال إن أصل فعل شرب الخمر والمتعة مما لم يأت به الشرع ابتداءً لأنه لا يوافق أصول الشرع من منع الفواحش وإنما جاز في بداية الإسلام تخفيفا في التشريع حتى تدرج للتحريم أما ما جاء به الشرع لعلة تعبدية من غير سابق مثل الإحداد فإن الطعن فيه ووصفه بالذكورية والتسلط إلخ طعن صريح في مشرّعه الأول وتطاول مباشر على مقام الشرع

هذا مع ملاحظة أن لا علة تعبدية في المتعة وشرب الخمر

فثمة فرق إذن بين النسخ للتحريم مثل شرب الخمر والمتعة فيصبح هذين الفعلين مما يستوجب الشناعة وبين النسخ لغيره، مثل نسخ وجوب قيام الليل، فلا يلزم من جواز الاستهزاء بفعل شرب الخمر والمتعة جواز الاستهزاء بذلك الحكم الذي تنزل لعلة تعبدية.

وهذا يعني أن الاحداد في أعلى مراتبه وهو الصحيح وقول الجمهور وإجماع الصحابة متفق على وجوبه ، وفي أدناها

(والذي لا يعتد به لأنه قول شاذ)،
والإحداد في أدناها عند من أن أنكر الوجوب: إما متأول أو منسوخ ، وفي كلا الحالين هو شرع لا يجوز لأحد التهكم به !!

فأين هذا من وصف الإحداد بالتسلط والشرع الذكوري إلخ من السفاهات التي لم يسبق إليها إلا حصة

أما المثال الثاني :

فمن العلماء من يرى وجوب الوتر، ومنهم من يرى استحبابه وتأكده لأعلى درجات التأكيد ولكن ذلك العالم الذي ينفي الوجوب لا تجده يقول :
(تبا لهذا القاسي الذي يرى الوجوب و يأمر بقطع نوم الناس ليؤدوا ركعات رياضية لا قيمة لها ولا معنى لها إلا محاكاة المرضى النفسيين )

هذا هو قول الزنديق، لا قول العالم الذي ينفي الوجوب مع بقاء تعظيمه لاستحباب الشرع لشعيرة الوتر وإقراره أنها مما ورد شرعا وهذا يحاكي مسلك من تجرأت بالتهكم على شعيرة الإحداد والاستهزاء بها ووصفها بالشرع الذكوري ووصف الأحاديث التي اتفقت الأمة على صحتها بالتراث المأفون الكذاب.

فإنها سلكت مسلك سفلة الزنادقة في تلقي الأحاديث بالتطاول والشتم،وهو مسلك يختلف عن مسلك أهل العلم ممن يتأولها ويحملها على وجه آخر،وكان يسعها لو أوتيت مع ضلالها بعض ذكاء أن تنفي وجوبه بصورة تلبيسية ماكرة لا أن تنفي الحكم بأكمله بهذه الفجاجة المكشوفة

ولكن الجاهل ينظر للأحكام نظرة رياضية دون فقه مراتبها فيرى محصلة قول الحسن والحكم والشعبي أن المرأة لا تحتد ويرى محصلة قول الكاتبة أن المرأة لا تحتد فيصيح مشغبا على المتشددين الذين يكفرون لمجرد اتباع رأي آخر، وعميت عينه أن نفيا للوجوب محمولٌ على كف الإذعان للشرع ونصوصه ليس كنفي للشعيرة بكاملها محمول على كف الاستهانة وشتم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي صحت ووصفها ب(تراث مأفون كذاب) تعالى الله عن هذا التطاول علوا كبيرا.

وخلاصة المقال أن الكاتبة لم تسلك في ردها للإحداد :
مسلك التأويل،
أو مسلك النسخ،
أو مسلك ادعاء عدم العلم بما ورد،

بل هي صرحت بعلمها بما جاء به التراث فلم يبق لها مسلك في ردها للإحداد إلا مسلك رد السنة والطعن فيها وشتمها والتعلق جهلا بالنص القرآني ونبذ ما عضده من سنة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالت( هذا التشريع الذكوري يكذبه القرآن الكريم )،

فيا لله العجب كيف كان ثمة تعارض بين حكمين منفصلين، لا يستلزم أن ورود أحدهما في السنة يكذبه ورود أخيه في القرآن !!!

فليس لها في المسلمين سلف فضلا عن المؤمنين فضلا عن العلماء فضلا عن علماء السلف حاشا لله هذا بهتان عظيم، والحمدلله رب العالمين.

والله أعلم، وماقلت من صواب فمن الله وحده وما قلت من خطأ فمن نفسي والشيطان .

[/size]